أُعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية يوم الأحد الماضى الرابع والعشرين من يونيو 2012 بفوز السيد الدكتور محمد مرسى لحصوله على أكثر من ثلاثة عشر مليوناً من الأصوات التى قالت له نعم بنسبة 52% تقريباً من جملة الأصوات الصحيحة، كما حصل سيادته ضمناً على كلمة لا من أكثر من اثنى عشر مليوناً وهو العدد الذى كان يؤيد الفريق الدكتور أحمد شفيق بنسبة 48% تقريباً. وبحسب منظومة الانتخابات التى تعد عقداً ملزماً يجب الوفاء به شرعاً يتولى السيد الدكتور محمد مرسى رئاسة جمهورية مصر العربية فى هذه الدورة الانتخابية، ولا يجوز للفريق الدكتور أحمد شفيق أن يمارس شيئاً فى منظومة حكم مصر فى هذه الدورة إلا أن يشاء الفائز. وهنا يثور التساؤل عن الأثر الشرعى لكلمة لا التى حصل عليها الرئيس، أو ما الحقوق والواجبات المترتبة على كلمة لا للطرف الفائز؟ قد لا يخطر على بال أحد أن الفقهاء المسلمين قد عالجوا نحو هذه المسألة فى أبواب الإمامة العظمى والبيعة والتحكيم. ويمكن تلخيصها فى ناحيتين: ناحية الناخبين وناحية الرئيس المنتخب. أما الناخبون الذين قالوا لا، فإنهم ما قالوها فى مواجهة رئيس، وإنما قالوها فى مواجهة مرشح. وبهذا يكون دورها قد انتهى بإعلان انتهاء أجل التصويت الانتخابى، وبمجرد إعلان فوز المنافس، وهو السيد الدكتور محمد مرسى، فإنه يستحق شرعاً من جميع المصريين مبايعته، سواء من الذين قالوا فى التصويت الانتخابى نعم أو الذين قالوا لا؛ لأن هذه المبايعة هى الأثر الطبيعى لمنظومة الانتخابات والدال على قيمة الإنسان وحضارته لارتباطه بالكلمة ووفائه بعقده والتزامه عملاً بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» المائدة (1). واختلف الفقهاء فى صور تلك المبايعة وشكلها هل يجب الإعلان عنها -كما هو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة- أم يكتفى بأن تكون سراً بالصمت مع الرضا النفسى بما قدره الله، كما هو مذهب المالكية. إن الحد الأدنى الواجب شرعاً على جميع المصريين أن يرتضوا من قلوبهم بنتيجة إعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بتنصيب السيد الدكتور محمد مرسى رئيساً لجمهورية مصر العربية فى هذه الدورة الانتخابية. فهذا الرضا والتسليم جزء من الالتزام الدينى الآمر بالوفاء بالعقود وهو السبيل لنهضة مصر ووقوفها على قدميها من جديد لتبنى مستقبلها وتنقذ شبابها بروح من الفأل وتبادل الثقة والبعد عن التخوين. ولمن أراد المزيد بإعلان بيعته لتولية السيد الدكتور محمد مرسى رئيساً لمصر فله ذلك باعتباره حقاً فقهياً مكفولاً شرعاً ولكن بشرط ألا يترتب على إعلانه مفسدة كأساليب الاستفزاز التى تثير الفتنة وتستدعى الفرقة وتجلب النزاع والخصومة لقوله تعالى: «والفتنة أشد من القتل» (البقرة 191)، وقوله تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» (الأنفال 46). إن من يزعم أنه يمارس حقه الشرعى فى الإعلان عن مبايعة الرئيس ويتسبب فى أى فتنة شعبية فهو عدو حقيقى للرئيس، وإن كان يظهر فى صورة المؤيد له، وسيتحمل هذا العدو تبعات فتنته فى الدنيا كما سيبوء بإثمها يوم القيامة، وهذا ما يُعرف فى علم أصول الفقه بمآلات الأحكام. ولذلك وضع الفقهاء من قواعدهم: «تقديم أعظم المصلحتين وأهون المفسدتين عند التعارض» كما قالوا بأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. إن استقرار المجتمع وأمنه هو المصلحة العظمى التى تقدم على ما دونها، وإن درء الفتن وأسباب النزاع والفرقة مقدم على أى مصلحة كما قال تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» (آل عمران 103). وللحديث بقية فى بيان مسئولية الرئيس فيمن قالوا لا.