قصته كانت كغيرها من قصص الجاسوسية الشهيرة التي تابعها الملايين عبر الروايات والأعمال الدرامية، فهو المواطن اليهودي الذي لفظ أول أنفاسه على الأراضي المصرية، ثم استهواه حلم الاستقرار في "أرض الميعاد"، كما يطلق عليها أقرانه، قبل أن يجرب قدراته في عالم الجاسوسية والرسائل والإشارات اللاسلكية، لينتهي به المطاف في أرض عربية لم ترحم من كشف أسرارها، فينكشف أمره لتذهب رقبته إلى حبل حمل المذلة له والكرامة لغيره. "إيلياهو بن شاؤول كوهين"، كان من الممكن أن يكون اسما عاديا يعيش طيلة حياته على أراضي الإسكندرية يتنفس نسماتها وينعم بحلو بحرها، غير أن ذلك اليهودي قرر أن يبيع 20 عاما أولى في حياته حينما ينضم إلى شبكة جاسوسية على الأراضي المصرية تمهد الطريق لتكوين "الدولة الإسرائيلية"، ليقضي ذلك الشاب 10 سنوات تحت قيادة "إبرام دار" أو "جون دارلنج" أحد كبار رجال الجاسوسية الإسرائيلية، الذي قاد مع فريقه سلسلة من التفجيرات ببعض المنشآت الأمريكية في القاهرةوالإسكندرية بهدف إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدةالأمريكية. القبضة الأمنية لم تمثل نهاية "كوهين" عام 1954، فتلك العقلية استطاعت أن تقنع المحكمة المصرية ببراءة صاحبها وعدم وجود أي دليل على مشاركته مع شبكة المخابرات الإسرائيلية في مصر، ليجد الشاب نفسه حرا طليقا يطيب به المقام في وطن عرف كيف يحتل أراضي فلسطينية قبلها ب7 أعوام. الاستقرار لم يعرف طريقه إلى قلب ذلك العشريني اليهودي منذ أن وطأت قدماه "تل أبيب"، فالمحاسب الذي ترك الجاسوسية وتفرغ لأعمال إدارية كان سهل المنال لقيادات المخابرات الإسرائيلية، الموساد، حينما استقطبته، من جديد، ليكون عميلهم على الأراضي المصرية، غير أن تلك الخطة انتهت في مهدها، لتكون "دمشق" بديلة ل"القاهرة"، دون الالتفات إلى رابط لن يتفكك بين "مصر وسوريا". القصة الملفقة باتت جاهزة، المواطن الإسرائيلي "إيلي كوهين" تحول، فجأة، إلى "كامل أمين ثابت"، والحلقة الأولى كانت من العاصمة الأرجنتينية "بيونس أيرس" التي انتقل إليها الجاسوس على أنه رجل أعمال سوري تفرقت به السبل ليصل إلى تلك الأرض البعيدة، ولن تكتمل الحكاية بغير تشدق بمحبة وطنه الجديد، سوريا، والتعرف على كبار رجال تلك الدولة وممثليها بالأرجنتين، وإقامة المأدوبات وتوزيع الهدايا لكسب ثقتهم للإجهاز على أي شك في حقيقته. اللحظة الموعودة حانت، فذلك السوري، كذبا، استطاع استمالة عقول الكثيرين ليدخل العاصمة دمشق مجهزا بأحدث الآلات ووسائل الاستقبال والإرسال اللاسلكية، ليبدأ عمله بتصوير التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان بواسطة آلة تصوير دقيقة مثبتة في ساعة يده أنتجتها المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، قبل أن يصل إلى أوج نشاطه بتزويد قادته، بالموساد، تفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة، فضلا عن تقريره الأهم بشأن وصول صفقة دبابات روسية من طراز "ت-54" وأماكن توزيعها، ناهيك عن توصله تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب. ابتسامة القدر ل"كوهين" لم تدم طويلا، فالسنة الرابعة، على وصوله إلى دمشق، لم تنتهِ بغير كشف ستره على نفس الأرض التي أتى إليها جاسوسا، غير أن الروايات تعددت في سبب كشف ذلك الإسرائيلي الذي إما سقط على يد محمد وداد بشير وهو مسؤول الإشارة في الجيش السوري، الذي اكتشف وجود بث غير مماثل للترددات اللاسلكية المعتادة، ليهاجم عددا من السفارات التي لم توصله لشيء، ثم يحدد مكان تلك الترددات الغريبة ويرسل سيارة رصد الاتصالات الخارجية التابعة للأمن السوري إلى منزل "كوهين" الذي سقط متلبسا بجريمته أثناء إرسال إشارة لاسلكية إلى "الموساد". الرواية المصرية، في كشف الجاسوس الإسرائيلي "إيلي كوهين"، تمثلت في نجاح بعثة من المخابرات الإسرائيلية في تصويره ضمن زيارة للتحصينات الدفاعية السورية ومن ثم كشف هويته، أو نجاح عميل المخابرات المصرية في إسرائيل رفعت الجمال، الشهير ب"رأفت الهجان" في كشف هويته عن طريق فتاة إسرائيلية عرف أنه قريبها، غير أن الثابت الوحيد كان منع ذلك الجاسوس الإسرائيلي من احتساء السم وتقديمه للمحاكمة التي أدت به إلى الإعدام شنقا في ساحة المرجة مساء 18 مايو عام 1965، بعد أشهر قصيرة من كشفه.