سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» ترصد الوجه الآخر ل«أبومسلم».. قرية الفتنة والفشل الكلوى الأهالى يتسامرون أمام المنازل فى «العصارى».. والأطفال يلعبون فى الحوارى.. والمحال تفتح أبوابها
رغم تراص سيارات الأمن المركزى أمام ترعة المنصورية على جانبى مدخل قرية زاوية أبومسلم، تجد الحياة تبدو طبيعية فى القرية التى شهدت مقتل 4 من الشيعة على أيدى عدد من الأهالى مساء الأحد الماضى، وكأن مذبحة لم تكن؛ فالمحال التجارية فتحت أبوابها منذ الصباح، وجلس الأهالى يتسامرون أمام منازلهم وقت العصارى، واستمر الأطفال فى لهوهم ولعبهم بالحوارى والأزقة. الطريق إلى منطقة الأحداث، بعد المرور من الشارع الرئيسى الترابى للقرية، ليس سهلا بسبب تعرج الشوارع والأزقة، بيت الشحات العريان يقع فى شارع ضيق بمنطقة «الحطى» فى أحد أطراف القرية، ويجاور مقام «الشيخة صالحة»، المنزل مكون من طابقين واجهته مزينة بالسيراميك باللون الأصفر الفاتح، باب المنزل حديدى مطلى باللون الأحمر، مفتوح على مصراعيه، يثير لكل من يقترب منه علامات استفهام كبيرة، ينظر اليه الأهالى بريبة شديدة رغم هدوء الأوضاع، فهنا بدأت المذبحة، بالداخل تظهر علامات الاقتحام والتكسير وبقايا مياه إطفاء الحريق على الأرض. فى الصالة الكبيرة للبيت توجد «سقالة حديد» تُستخدم فى أعمال التشطيبات، أما الغرفة الداخلية فغير مكتملة الدهان، على أرضها تقع بعض الأوانى والفاكهة، آثار الدماء لا تزال باقية، يُظهرها بوضوح مصباح كهربائى ينتظر قدوم أهل البيت الذين غادروه للعلاج من الجروح والإصابات. تبعد «زاوية أبومسلم» عن مدينة أبوالنمرس حوالى 10 كيلومترات وعن قرية «شبرامنت» التى تتبعها إداريا وخدميا حوالى 4 كيلومترات، وعن شارع الهرم 5 كيلومترات، وتبلغ مساحتها حوالى 500 فدان، ويزيد عدد سكانها على 30 ألف نسمة، حسب ما ذكره شيخ البلد عدلى فراج، 63 عاما. يقول شيخ البلد: «التوسع العمرانى بالقرية بدأ منذ 15 سنة على حساب الرقعة الزراعية؛ لذلك يتراوح سعر قيراط الأرض الزراعية التى تصلح للبناء بين 80 و150 ألف جنيه فى الأماكن البعيدة، بينما يتضاعف السعر فى المناطق التى تقترب من الطرق الرئيسية، بسبب ضيق زمام القرية التى تبتعد قليلا عن الظهير الصحراوى الذى يوجد به معسكر للقوات المسلحة، والذى كان يخدم به القيادى الشيعى حسن شحاتة الذى قُتل على أيدى الأهالى بمنزل الشحات العريان». تنقسم القرية إلى قسمين كبيرين: البلدة القديمة ومنطقة الشيخة صالحة، أو الحطى، وهى التى وقعت بها جريمة القتل وهى منطقة جديدة البناء. دخل التصوف إلى القرية، كما يقول شيخ البلد، منذ فترة طويلة مع دخول الرجل الصالح الشيخ أبومسلم القرية قبل عشرات السنين، حتى سميت القرية باسمه فى ثلاثينات القرن الماضى، وكان اسمها قبل ذلك زاوية العريان، مضيفا أنهم أطلقوا عليها «زاوية» لأنها مثل المثلث أو لأن موقعها يشبه الزاوية، ويوجد بها 5 مقامات موزعة فى أنحاء القرية، ويقام بها مولد سنوى للشيخ «أبومسلم» وقبل ذلك كان يقام أكثر من 5 موالد فى السنة، وتوجد بالقرية أيضا جماعة صوفية تقيم مولد سيدى إبراهيم الدسوقى لأنهم من مريديه. يضيف الشيخ فراج: محمود فوزى، وزير الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق، كان يمتلك 50 فدانا زراعيا بالقرية، وكنا نعمل بها «لكنه ما عملش للبلد أى حاجة» وبعد وفاته قام الورثة ببيع الأرض. وبحسرة يكمل شيخ البلد: «الخدمات بالقرية معدومة بسبب تقصير مجلس مدينة أبوالنمرس والوحدة المحلية بشبرامنت التى تقوم بتنفيذ كل الخدمات بقريتها فقط، ويوجد فى الزاوية 3 مدارس ابتدائى ومدرسة واحدة للإعدادى؛ لذلك يعانى معظم تلاميذ القرية كثافة الفصول التى تبلغ 80 طالبا بكل فصل، وهو ما يضطر الأهالى إلى إلحاق أبنائهم بمدارس القرى المجاورة». ويتابع: «رغم بدء تنفيذ مشروع الصرف الصحى بالقرية منذ 7 سنوات، فإنه لم ينتهِ حتى الآن بعدُ بسبب نقل تبعية القرية إلى مدينة 6 أكتوبر فى تقسيم المحافظات القديم، وبالتالى توقف المشروع لعدم تخصيص ميزانية ب6 أكتوبر، وعندما عادت القرية إلى الجيزة مرة أخرى لم يتم استكمال المشروع أيضا. الحريم بترمى الميّه فى الشارع، وبندفع 30 جنيه فى الدور الواحد لكسح الطرنشات، مع إنهم بيرموا الصرف فى ترعة المنصورية»، حسب وصف «فراج». يصمت شيخ البلد قليلا ثم ينظر فى الفراغ ويقول: مياه الشرب ملوثة وأصابت الأهالى هنا بالفشل الكلوى وبأمراض الكبد؛ حيث يزيد مرضى الفشل الكلوى بالقرية على 200 حالة، حسب قوله.. المياه تأتينا من محطة شبرامنت التى تخلط مياه محطة طموه النيلية بمياه الآبار الارتوازية دون تنقية، وهو ما تسبب فى إصابة الأهالى بالأمراض. محمد عمر، من أهالى القرية، يقول غاضبا: «الوحدة الصحية زى قلتها ما فيهاش أى أدوية، والدكتور ما بيجيش إلا مرة واحدة كل أسبوع، عشان كده الناس ما بتروحهاش وبتطلع على شبرامنت أو المستشفى المركزى فى أبوالنمرس، بيعتبروا بلدنا مش ع الخريطة». «لا يوجد فى (أبومسلم) أى مشاهير أو أعضاء مجلس شعب أو شورى أو مجلس محلى، والتعليم بها فاشل بكل المقاييس بدليل تخرج طبيب واحد ومهندس واحد منها، رغم أن عدد السكان يقترب من 40 ألف نسمة، عكس قرية شبرامنت التى يكثر بها الأطباء والمهندسون والمستشارون وأعضاء مجلس الشعب نتيجة الحضارة التعليمية بها، فيه ناس غلابة هنا كتير فلاحين وعمال شغالين باليومية على باب الله، ظروفها الاقتصادية تعبانة رزق اليوم بيومه»، هذا «عمر» يصف أحوال القرية. ينظر إلى أطفاله من حوله ويقول: «تخيل أن البلد الكبيرة دى ما فيهاش نادى رياضى وعيالنا بيروحوا يلعبوا فى البلاد اللى حوالينا».. مركز الشباب مهجور ولا يمتلك أراضى ليخصصها ملاعب كرة قدم «كان فيه أرض أوقاف والحكومة خدتها، سيبك منى أنا، إحنا بندور على الأجيال القادمة». ويستطرد «عمر»: «رغم وجود سلفيين وإخوان بالقرية فإن عدد الأهالى العاديين من غير المنتمين إلى أى فصيل أكثر منهما بكثير، (أبومسلم) البلد الوحيدة اللى ما طلعتش فى الثورة، ومالهاش فى السياسة، ناسها طيبين ولم نتوقع أن تتطور الأمور إلى درجة قتل 4 أشخاص دفعة واحدة، البلد حزينة جدا». عن واقعة قتل الشيعة بالقرية يقول محمود عمر، 55 سنة، تاجر مواشٍ، بنبرة حزينة: «نعيش فى حالة حزن وندم لأن قتل النفس من الكبائر، ده لو يهودى ما كانش يصح يحصل كده، لم نستطع احتواء الأمر بسبب كثرة أعداد المتجمهرين، ومهما تدخل أى أحد لن يستطيع السيطرة على آلاف الأشخاص الغاضبين». ويتابع: «المذهب الشيعى دخل القرية منذ بداية تسعينات القرن الماضى، وعدد الشيعة هنا لا يزيد على 70 شخصا ومعظمهم مستجدون، وسبب انتشار التشيع هنا بهذا الحجم يعود إلى حسن شحاتة الذى كان يرتبط بعلاقات وطيدة مع الأهالى أثناء فترة خدمته العسكرية وبعدها، الناس كانت بتحبه أوى». التعامل مع شيعة القرية كان حذرا، رغم أن أعمالهم وطقوسهم كانت سرية جدا، حتى تم القبض على عمران منصور وشعبان محمد، وهما اثنان من شيعة القرية، درسا فى الأزهر وتخرجا فيه وعين أحدهما فى المعهد الأزهرى والثانى فى «الأوقاف»، تم حبسهما سنتين وخرجا فى 2010، والشيعة بالقرية معروفون ومن عائلات كثيرة وقد تم إخراج عدد منهم قبل وقوع المذبحة بقليل بواسطة أقربائهم. يضيف «محمود»: «شعبان كان فاتح أكبر مكتب لتحفيظ القرآن فى البلد، وبعد ما عرفنا إنه شيعى تجنبناه، الشيعة هنا كانوا يحاولون استدراج الأطفال والشباب إلى مذهبهم من خلال التودد إليهم والاقتراب منهم وإغرائهم بالمال وحفلات الطعام الكبيرة». فى عمارة بوسط القرية تحدث «م. أ»، مدرس، 55 سنة، قائلا: الخطاب الدينى هو السبب الرئيسى فيما حدث؛ لأن السلفيين والإخوان يسيطرون على مساجد القرية التى يزيد عددها على 12 مسجدا وزاوية، بالإضافة إلى تحريض الرئيس مرسى عليهم فى خطبته الأخيرة باستاد القاهرة عندما حاول استعطاف الشعب بعد التمرد عليه فقام بإلقاء خطاب يعبر فيه عن كراهيته للشيعة محاولا احتواء الغضب الشعبى منه. أضاف المدرس: السلفيون ب«أبومسلم» يتهمون الصوفيين بالتشيع، وأصبح من المعروف لديهم أن كل صوفى شيعى حسب اعتقادهم، إخوان القرية اتحدوا مع السلفيين ضد الصوفيين رغم قلة عددهم. منذ 3 شهور حاول بعض السلفيين تغيير اسم مسجد أبومسلم إلى مسجد «الرحمن الرحيم»، لكن بعد وقوع مشادات كبيرة مع الصوفيين أعادوا الاسم إليه مرة أخرى.