ظل سر الزمن من تعاقب ليل ونهار وشباب وشيخوخة ونمو وذبول، ظل هذا السر علامة استفهام تلح بشدة على عقل البشرية تبحث عن إجابة.. لاحظ الإنسان الأول أن الكثير من الظواهر الطبيعية تتكرر بانتظام، فالشمس تظهر وتختفى فى فترات تكاد تكون متساوية وليلة بعد ليلة يتضاءل القمر ذلك القرص الفضى المتلألئ حتى يصبح هلالاً رفيعاً ثم يختفى لكى يعود ثانية ليضئ ظلام الليل الحالك، والأشجار تزدهر وتنضج أشهى الثمار ثم تتساقط أوراقها، والطيور تهاجر ثم تعود إلى موطنها الأصلى.. كل هذا يحدث فى أوقات محددة.. نظر للنخيل والشجار، وراقب ظلالها على الأرض فى ضوء الشمس فلاحظ أن ظل النخيل والأشجار ليس واحداً فى كل وقت، فهو يطول ويقصر فى أوقات معينة من النهار ولاحظ كذلك أن حركة الشمس مع هذه الظلال دائماً واحدة، فعندما تكون الشمس فى وسط السماء، يكون الظل قصيراً، وعندما تشرق فى الصباح، أو تغرب فى المساء، يكون الظل طويلاً.. وهذه الظلال تتحرك فتارة تكون خلف الشجرة، وتارة تكون أمامها، أحياناً تكون إلى يمينها، وفى أحيان أخرى إلى يسارها، ثم بدأ الإنسان الأول يراقب ظله على الأرض ويلاحظ تغيره مع حركة الشمس فى السماء. رسم الإنسان الأول خطوطاً على الأرض ووضع على هذه الخطوط أحجاراً صغيرة ليحدد الوقت بتغير ظل الشجرة على هذا الخط وكانت هذه، أصدقائى، أول محاولة لحساب الوقت فى حياة الإنسان الأول، إذ ربط بين حركة الشمس وظلال الأشياء واستعمل ذلك فى قياس الزمن، وهكذا كانت الظلال هى وسيلة الإنسان الأولى لقياس الزمن.. ومع مرور الزمن، فكر الجيل التالى فى وسيلة أفضل لقياس الوقت فلم يقتنع بظلال الأشياء، كآلة لقياس الزمن وهداه تفكيره أن يغرس عصا فى الأرض ويضع حولها علامات من الأحجار الصغيرة فى شكل دائرى وينتظر شروق الشمس ويراقب العصا ليلاحظ أن الظل يتحرك من حجر لآخر تبعاً لحركة الشمس حتى تغرب الشمس، فأدرك أن تحرك الظل من حجر لآخر يعنى فترة محددة من الزمن، وهكذا اخترع أول ساعة فى التاريخ بعد أن طوّر اكتشاف أجداده لحركة الظلال. وكانت هذه البداية الفعلية للساعة الشمسية التى تعتمد على مراقبة حركة الشمس والظل، لكن كان من أهم عيوبها أنها مرتبطة بالشمس، إذ لا يمكن استعمالها فى المنازل أو حتى فى الليل، واستخدام الشمس لقياس الوقت لن يكون دقيقاً فالنهار فى الصيف أطول منه فى الشتاء. لذلك اخترع الإغريق الساعة المائية التى تصلح لكل الأوقات، فهى لا تفرق بين ليل ونهار، ومادتها هى الماء، وتتكون من وعاءين أحدهما به ثقب ويوضع فوق الوعاء الآخر فينساب منه الماء قطرة قطرة، وبالوعاء الآخر عموداً عليه علامات مرقمة تشير إلى الساعات، وإلى جانب العمود وضعت قطعة من الإسفنج الملون، تطفو على سطح الماء، وترتفع كلما ارتفع الماء فى الوعاء، فإذا ارتفعت إلى علامة ما، فمعنى هذا أن وقتاً معيناً قد مر يمكن حسابه.. لكن الساعة المائية لم تكن صالحة لكل الأجواء، حيث كان الماء يتجمد فى بعض البلاد ويتحول لقطع من الثلج فتتعطل الساعة، ولذلك كان اختراع الساعة الرملية، وهى عبارة عن وعاءين من الزجاج، تصل بينهما أنبوبة ضيقة، يوضع فى أحدهما كمية من الرمل الناعم فإذا جعلنا الرمل فى الوعاء العلوى ينساب عبر الأنبوبة الضيقة فى بطء شديد حتى يمتلئ الوعاء السفلى تكون مدة معينة من الزمن قد مرت ويمكن حسابها فنعود ونقلب الساعة الرملية ليبدأ الرمل ينساب من جديد. لكن الساعة الرملية أيضاً أصدقائى لم تكن تصلح لقياس الوقت فى كل زمان فهى تحتاج لمن يراقبها باستمرار، وكان للعرب دور رائد فى ظهور أول ساعة للوجود وهى (الميقاتة) التى صنعها العالم الأندلسى العربى عباس بن فرناس. فى القرن الرابع عشر الميلادى كان ميلاد الساعات الآلية أو الميكانيكية، لكنها كانت ضخمة وبعقرب واحد يشير إلى الساعات فقط، كانت عبارة عن عجلة يحركها ثقل معين يديره بندول يتأرجح يميناً ويساراً، ولبندول الساعة قصة تدل على عبقرية العالم الايطالى (جاليليو) إذ كان يتنزه ذات يوم فى حديقة ورأى طفلاً يتأرجح، وقف جاليليو يراقب الأرجوحة وقاس أرجحتها على نبض يده، فثبت له أن الوقت الذى يستغرقه قطع المسافة الطويلة فى آخر ذراع الأرجوحة، هو نفس الوقت الذى يستغرقه قطع المسافة القصيرة فى أول ذراعها، وكذلك يحدث نفس الشىء لأى ثقل يعلق فى الهواء ويهتز اهتزازاً ثابتاً، وهكذا توصل جاليليو لصنع بندول الساعة وبفضله أصبح حساب الدقائق فى الساعة الآلية سهلاً. ولعل أشهر ساعة فى التاريخ هى ساعة (بج بن الشهيرة) بلندن التى تعمل بدقة ونظام منذ مئات الأعوام.. وتطورت صناعة الساعات عبر السنين وظهرت ساعات تعمل بالطاقة الشمسية وكأن الإنسان عاد للشمس من جديد لحساب الوقت.. واليوم صديقى وأنت تنظر فى ساعتك تذكر هذه الرحلة الطويلة التى بذلها أجدادك، اهتماماً منهم بالوقت، وكلما تعانقت عقارب ساعتك عند منتصف الليل ينقضى يوم ويبدأ يوم جديد ويولد أمل جديد ويوم مشرق بالخير والجمال..