تسربت أنباء لقاء السيد عمرو موسى، رئيس حزب «المؤتمر» وعضو جبهة الإنقاذ، مع المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين. وقد أثارت التسريبات عن ذلك اللقاء كثيراً من ردود الفعل، ما بين الترحيب بلقاء ممثل للجماعة المسيطرة على الحكم، وبين أحد رموز المعارضة، وبين الغضب فى صفوف جبهة الإنقاذ وشباب الثورة وأعضاء حركة «تمرد»، لخروج أحد رموز المعارضة عن الاتفاق بألا تجرى لقاءات أو حوارات مع الجماعة وحزبها أو مع الرئاسة، حيث يسود دوائر الجبهة والمعارضة الوطنية اقتناع بعدم جدوى تلك اللقاءات وأنها استهلاك للوقت وتمييع للقضايا الوطنية. وثمة فريق ثالث لم يقنع بمجرد شجب اللقاء والتنديد بمن توسط فى عقده، بل استرجع هذا الفريق تجربة مريرة، حين تحاورت طائفة من رموز المعارضة الوطنية مع المرشح الرئاسى د. محمد مرسى فى الوقت الحرج فى مرحلة الإعادة بينه وبين الفريق أحمد شفيق، وتوصل المجتمعون إلى اتفاق «فيرمونت» وتم توقيعه قبل أيام معدودة من إعلان نتيجة السباق الرئاسى، وبموجب ذلك الاتفاق احتشد ملايين الناخبين من القوى المدنية والليبرالية لتأييد د. مرسى، بعد أن كانت تلك القوى الوطنية المدنية رافضة لمرشح جماعة الإخوان المسلمين، ولم يصوتوا له فى جولة الانتخابات الأولى، ولكن ما دفعهم إلى الاحتشاد فى صف مرسى ضد منافسه أحمد شفيق، رفضهم لاحتمال عودة النظام القديم بانتخاب رئيس عسكرى عمل لسنوات مع مبارك وكان آخر رئيس وزراء عينه قبل تنحيه بأيام. ويسترجع رموز القوى المدنية ما آل إليه مصير اتفاق «فيرمونت»، فما إن فاز د. مرسى بالمنصب الرئاسى بمساندة القوى المدنية، حتى انشغل عنه ولم ينفذ منه إلا بنداً واحدا هو إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، الذى كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أصدره فى السابع عشر من يونيو 2012، واستبدل به «الرئيس المنتخب» إعلانه الدستورى الأول الذى أصدره فى الحادى عشر من أغسطس 2012، وحصل بموجبه لنفسه على السلطة التشريعية بالإضافة إلى السلطة التنفيذية! ولقد ذكرنى لقاء نائب المرشد العام مع القطب المعارض عضو جبهة الإنقاذ، بتجربة سابقة مررنا بها فى شهر أبريل عام 2010، حين كنت نائباً لرئيس حزب «الوفد»، إذ تلقينا رغبة من جماعة الإخوان المسلمين لزيارة وفد منها للحزب. وتمت الزيارة وقتها وكان وفد الجماعة برئاسة الدكتور محمد على بشر وضم د. عصام العريان وم. سعد الحسينى وم. على عبدالفتاح. وقد مثل «الوفد» أ. منير فخرى عبدالنور، د. على السلمى، د. إجلال رأفت، أ. رمزى زقلمة وأ. أحمد عودة. وبعد كلمات الترحيب أكد د. محمد على بشر تحيات المرشد العام لحزب الوفد وقياداته، مثمناً العلاقة التى تربط الجماعة بالحزب ومشيداً بتجربة التعاون والتنسيق بينهما فى انتخابات 1984، مشدداً على أهمية الحوار بين مختلف القوى الوطنية وضرورة التوصل إلى توافق وطنى للخروج بالوطن من أزمته (والحديث كان فى أواخر عصر مبارك). وشدد د. بشر على حجم المتغيرات التى شهدها الوطن فى الفترات الأخيرة والحراك السياسى فى الشارع المصرى وتصاعد مطالب المواطنين بالتغيير، مؤكداً أن مصر تستحق أفضل كثيراً مما هو قائم. كذلك أشار إلى التحديات الخارجية التى تواجه مصر سواء على الصعيد العربى أو الإقليمى، وأوضح أن تحقيق الإصلاح المستهدف فى مصر لا يستطيع إنجازه أى فريق بمفرده، مشدداً على أهمية التوافق الوطنى والتعاون بين الفصائل المختلفة، مؤكداً أن القطيعة والتنابذ بينهم تصب فى مصلحة الاستبداد. وأنهى د. بشر كلمته محدداً أن هذا اللقاء من وجهة نظره ما هو إلا بداية تعاون وتواصل مستهدفين أملاً فى «تنفيذ ما نتفق عليه». وفى مجال التعقيب على بعض تساؤلات ممثلى حزب الوفد، رد وفد الجماعة أنهم يعترفون بالدولة المدنية بمعنى، أن يتم تنظيم السلطات بناء على الدستور والقانون، وأساس تولى الوظائف فيها هو الكفاءة والخبرة الفنية المتخصصة، والأدوار السياسية فيها يقوم بها مواطنون منتخبون، تحقيقاً للإرادة الشعبية الحقيقية، وأن الشعب مصدر السلطات. كما أنهم يعترفون بأن مصر دولة لكل المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق ويلتزمون بواجبات متساوية، يكفلها القانون وفق مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص. وأن الإخوان المسلمين يعتمدون مفهوم الديمقراطية، كونه النظام الذى يقوم على التعددية والتنوع ويفصل بين السلطات ويسمح للمواطنين جميعاً بالمشاركة السياسية، وتكون فيه إدارة النظام السياسى والنشاط السياسى على أساس مناخ الثقة المتبادل بين كل الفئات. وهم يعترفون أن الأقباط جزء أصيل فى جسد الأمة لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. ولهم حق الترشيح لشغل الوظائف، حتى منصب رئيس الجمهورية، وللناخبين حرية اختيار من يرغبون وفقاً (لمرجعيتهم)، سواء كان مسلما أو مسيحياً! ولا أظن أن السيد عمرو موسى قد استمع من محدثه المهندس خيرت الشاطر إلى أقوال تختلف عما قاله د. محمد مرسى لأعضاء «الجبهة الوطنية لحماية الثورة»، حين وقع معهم اتفاق «فيرمونت»، ولا ما سمعناه من وفد الجماعة فى لقائهم بمقر حزب «الوفد» فى أبريل 2010، ولن تختلف أقوال أى قيادى بالجماعة عن تلك العبارات التى تدغدغ المشاعر ولا تصل إلى حيز التنفيذ! فهم يقولون ولا يفعلون! وما أشبه الليلة بالبارحة، ولك الله يا مصر!!