منذ وصوله إلى السلطة، حرص الرئيس مرسى على توجيه الانتقادات الحادة والاتهامات القاسية بحق الإعلام والإعلاميين المصريين باطراد، وهو الحرص الذى يعكس إرادة سياسية واضحة لدى جماعة «الإخوان»، عبر عنها المرشد الدكتور محمد بديع فى أوضح صورة حين وصف الإعلاميين بأنهم «سحرة فرعون». فقد تعرض الإعلام المصرى، بشتى أنواعه وأنماط ملكيته المختلفة، لهجمات قاسية على مدى نحو 11 شهراً تحت الحكم «الإخوانى»، اتفقت خلالها تيارات الإسلام السياسى على اعتباره مسئولاً مسئولية مباشرة عن «حالة فقدان الاتجاه»، وصناعة الأزمات السياسية المتكررة والتردى والعجز اللذين يهيمنان على البلد. وبات من المعتاد أن يتم توجيه اتهامات للإعلام والإعلاميين بلعب أدوار سلبية تفاقم مخاطر المرحلة الانتقالية، وهى اتهامات لا تصدر فقط عن رئيس الجمهورية، أو بعض سلطات الدولة، أو جماعة «الإخوان المسلمين»، و«التيارات السلفية»، لكنها تصدر أيضاً عن قطاعات فى الجسم الإعلامى نفسه، وتزيد وتيرتها باطراد بين الجمهور. وفى الوقت الذى يواجه فيه الإعلام مثل تلك الاتهامات، تتسع صناعته اتساعاً غير مسبوق على الإطلاق، لجهة عدد الوسائل الجديدة التى تصدر باطراد، وحجم الإنفاق عبره، رغم تراجع المصدر الأساسى لتمويله المتمثل فى حصيلة الإعلانات خلال فترة ما بعد الثورة. تشير القراءة المتأنية لواقع صناعة الإعلام فى مصر بعد الثورة إلى دخول أنماط تمويل غير معيارية لتلك الصناعة، تستهدف تمركزاً سياسياً عبر الإعلام، وتنفق من دون دراسات جدوى تتوقع استعادة النفقات، وهو الأمر الذى يبرر الزيادة الكبيرة فى عدد الوسائل مقارنة بتراجع الإنفاق الإعلانى المرتبط بتدنى الأداء الاقتصادى فى العامين 2011 و2012. وزاد عدد التعبيرات الإعلامية الجديدة زيادة كبيرة، كما اتسعت أنماط التفاعل على المواقع الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعى، لكن ذلك الاتساع اقترن بممارسات ضارة واستقطابية، من دون تطوير أو تفعيل أى مواثيق أو أكواد لتأطير التفاعل. وبسبب افتقاد مصر لمنظومة إعلامية متكاملة رشيدة، فإن قواعد الشفافية والإفصاح المالى غائبة، ولا توجد قوانين لمحاربة الاحتكار والتركز الضار للملكية، وهو الأمر الذى عزز الاتهامات بزيادة حجم «الاستثمار السياسى عبر الإعلام»، وهو استثمار يشارك فيه الإسلاميون ويستفيدون منه كما يفعل غيرهم تماماً. وقد شهدت صناعة الإعلام تدخلات خشنة من قبل الحكومة التى تم تشكيلها فى أعقاب وصول الدكتور محمد مرسى إلى منصب رئيس الجمهورية فى يوليو 2012، وواصل الرئيس نفسه الطعن فى الجسم الإعلامى والغمز من قناته فى مناسبات عديدة، كان آخرها فى الكلمة التى ألقاها قبل يومين، حين قال: «من يتحدث عن الإعلام وتجاوز بعض وسائل الإعلام.. ما أيسر ردود الفعل الغاضبة، لكن التحدى الحقيقى أن نصبر على بعضنا». تعكس عبارة الرئيس تلك ما يمكن اعتباره تهديداً مبطناً جديداً للإعلام والإعلاميين من صاحب أعلى سلطة فى الدولة. وقد ظهرت أعراض التدخلات السلطوية فى ملف الإعلام عقب وصول مرسى إلى موقع الرئيس فى تعيين وزير إعلام ينتمى إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، وقيامه باتخاذ قرارات اعتُبرت تقييداً لحرية الإعلام، بالإضافة إلى استخدام «مجلس الشورى» ما يرى أنه «صلاحياته القانونية» فى تعيين قيادات المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة، وهو الأمر الذى واجه انتقادات ورفضاً من أطراف عديدة. وزادت قابلية المنظومة الإعلامية المصرية للاستقطاب السياسى فى فترة ما بعد الثورة، إذ صدر عدد كبير من وسائل الإعلام المملوكة لأحزاب أو تيارات سياسية أو رجال أعمال مسيسين، والأخطر من ذلك أن عدداً لا يستهان به من الوسائل الجديدة يتبع تيارات ذات إسناد دينى، وقد ظهر ميلها إلى تعزيز الاستقطاب السياسى على أساس طائفى، بما ينذر بمفاقمة المخاطر والفتن، عبر بعض الممارسات الحادة والتأجيجية والتحريضية التى تصدر عن تلك الوسائل. ولم تنجح، أو لم ترد، مؤسسة الرئاسة، أو الحكومة التى عينتها، أو «مجلس الشعب» قبل حله، أو «الجمعية التأسيسية» التى أنيط بها وضع الدستور، أو مجلس الشورى فى تحرير الإعلام العام المملوك للدولة وإصلاحه، عبر خطة واضحة ومعلنة ومتكاملة، وبقى هذا الإعلام مصلوباً على «لوحة التصويب» من قبل الإسلاميين أو أداة يحاولون تطويعها لاستخدامها فى معاركهم. لن ترجع جماعة «الإخوان» وحلفاؤها فى مراكز السلطة عن تهديد الإعلام وتلويث سمعته والضغط عليه إلا إذا دخل الإعلام والإعلاميون «حظيرة السلطة» وصاروا أبواقاً وأدوات تلميع للحكم «الإخوانى»، ولن يحافظ الإعلام على استقلاليته ومهنيته ودوره الوطنى إلا إذا بادر بتنظيم ذاته ومحاولة الحد من أخطائه.