قبل رحيل الرئيس المخلوع مبارك بسنوات قليلة طاف في الساحة السياسية شبح أزمة "مياه النيل"، وتملك الخوف المصريين بسبب الاتفاقية المزعومة التي عرفتها دول المنبع باسم اتفاقية "تقاسم مياه النيل"، والتي يترتب عليها تقليص حصة مصر من المياه. دول حوض النيل العشر، حاولت على مدار سنوات الاتفاق على الاتفاقية الجديدة، التي شملت بنودها كسر الحاجز الصلب، الذي منع جميع الدول من بناء أي إنشاءات على النيل دون الرجوع إلى مصر، إلا أن مصر والسودان والكونغو رفضوا التوقيع على الاتفاقية الجديدة التي بدورها تلغي اتفاقيات قديمة كانت تؤمن لمصر نصيبها من المياه. في أبريل 2011 قررت إثيوبيا مستندة للاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ بتوقيع 6 دول عليها، بدء العمل في الأعمال الإنشائية ل"سد النهضة"، إلا أن مصر طلبت مهلة لعمل أبحاث ودراسات لمعرفة آثار تشغيل السد على حصتي "مصر والسودان" من مياه النيل بعد السد الجديد، لكن أثيوبيا فاجأت العالم اليوم ببدأ تحويل مجري النيل الأزرق أحد روافد نهر النيل للشروع في البناء الفعلي للسد. "الوطن" هنا ترصد تاريخ الاتفاقيات التي تم توقيعها بين مصر ودول حوض النيل، والتي تغيرت منذ استعمار بريطانيا لبعض دول إفريقيا وحتي اتفاقية "تقسيم المياه"، التي تهدد المصريين. الاتفاقية الأولى اتفاقيات تقسيم نهر النيل بين دول حوض النيل العشرة، بدأت للمرة الأولى على يد الدولة المستعمرة بريطانيا، بالنيابة عن مجموعة الدول الاستوائية، مع الحكومة المصرية، وكان ذلك عام 1929، وقتها قررت حصة مصر المكتسبة من مياه النيل، كما حفظت لمصر الحق في استخدام "الفيتو" أي الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. ونصت بنود الاتفاقية على أن الحكومة المصرية شديدة الاهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التي يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في تلك المياه، كما توافق الحكومة المصرية على ما جاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925 وتعتبره جزءاً لا ينفصل من هذا الاتفاق. ومنعت الاتفاقية إقامة أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية، من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر. الاتفاقية الثانية بدأت المفاوضات بين مصر والسودان في بداية الخمسينات، وانتهت باتفاقية "مياه النيل" عام 1959، الاتفاقية كانت ثنائية ومكملة للأولى التي وضعت عام 1929، ووافق فيها الطرفان على إنشاء السد العالي بمصر، وخزان "الروصيرص" بالسودان، كما أقرت بدفع مصر 15 مليون جنيه كتعويضات لأهالي حلف، هذا بخلاف احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًا وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليار متر مكعب سنويًا. الاتفاقية الثالثة وقعت مصر وإثيوبيا عام 1993اتفاقية في إطار تعاون بشأن استخدام مياه النيل على أساس قواعد ومبادئ القانون الدولي، مع الامتناع عن أي نشاط يضر بمصالح الطرف الآخر. وكانت هذه الاتفاقية مترتبة على محاولات إثيوبيا تشييد منشآت على النيل الأزرق في بداية السبعينات، لكن مصر استخدمت حق "الفيتو" طبقا لاتفاقية 1929، ورفضت المشروع، الذي وضعته دراسات أمريكية وكان يهدف إلى إقامة 26 سدًّا وخزانًا لتستوعب 5.4 مليارات متر مكعب من مياه النيل. الاتفاقية الرابعة في فبراير 1999 تم توقيع "مبادرة حوض النيل" في تنزانيا بين الدول العشر الإفريقية، بهدف تدعيم التعاون الإقليمي بينهم، ونصت المبادرة علي الوصول إلى تنمية مستدامة في المجال السياسي والاجتماعي، من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانيات المشتركة التي يوفرها حوض نهر النيل، وذلك من خلال 13 بندًا. محاولات الوصول إلي صيغة مشتركة للتعاون بين دول حوض النيل بدأت في 1993 بهدف الاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها النيل، وفي 1995 طلب مجلس وزراء مياه دول حوض النيل من البنك الدولي الإسهام في الأنشطة المقترحة، وفي 1997 قامت دول حوض النيل بإنشاء منتدى للحوار من آجل الوصول لأفضل آلية مشتركة للتعاون فيما بينهم، وفي 1998 عقد اجتماع مبدئي بين الدول المعنية من أجل إنشاء الآلية المشتركة فيما بينهم، ثم تبعه توقيع المبادرة وتفعيلها. الاتفاقية الخامسة تعد بداية الخلاف الجذري الذي نشب بين دول حوض النيل، بسبب اتفاقية "الإطارية الشاملة" ،(CFA) لكن مصر والسودان عارضتا، نظرًا لتأثير ذلك على حصتهما من الماء. هذه الاتفاقية تمت مناقشتها على مدار سنوات طويلة في إطار مبادرة حوض النيل، وبالفعل في عام 2010 تحديدا في شهر مايو، وقعت أربع دول هي إثيوبيا، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا، على الاتفاقية، ثم بعد مرور أيام وقعت كينيا لتنضم إلى القائمة. في مايو2009، عقد اجتماع وزاري لدول حوض النيل في كينشاسا، الكونغو الديموقراطية لبحث الإطار القانوني والمؤسسي لمياه النيل، ورفضت مصر التوقيع على الاتفاقية بدون وجود بند صريح يحافظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل، وتم تأجيل الاجتماع. في يوليو 2009، عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول حوض النيل بالإسكندرية، وفي بداية الجلسات صدرت تحذيرات باستبعاد دول المصب "مصر والسودان" من توقيع الاتفاقية، ثم أعطيت مهلة 6 أشهر للدولتين. وفي أبريل 2010، رفضت مصر التوقيع على الاتفاقية أثناء اجتماع دول حوض النيل في شرم الشيخ، وطلبت تأجيل التوقيع، لكن بعد أشهر قليلة وقع بالفعل خمس دول بالموافقة. في بداية شهر مارس 2011، وقعت بوروندي على اتفاقية "تقاسم مياه النيل"، وهو ما يعني تجريد مصر من العديد من امتيازاتها في مياه النهر وأبرزها حق الفيتو في منع إقامة أي مشروع على النهر خارج أراضيه.