بدأت حكايتى مع مصطلح «أسوياء ولكن» منذ ثلاث سنوات تقريباً، عندما بدأت نشاطى التطوعى فى «راديو رسالة»، التابع لجمعية رسالة للأعمال الخيرية، حيث كان هدفى الأول من الانضمام إلى هذا الراديو الوليد هو إعداد وتقديم برنامج توعوى وخدمى، يتناول قضايا ذوى الاحتياجات الخاصة، وزاد من إصرارى على تقديم هذا البرنامج خلو الخريطة الإذاعية لراديو رسالة وقتها من أى برامج أو حتى فقرات تتناول هذه القضية، مما دفعنى للتقدم بفكرة برنامجى هذا إلى مسئولى الراديو فى ذلك الوقت. لكن المشكلة، أو قل الإشكالية الإعلامية التى واجهتنى فى ذلك الوقت، هى اختيار عنوان مناسب لهذا البرنامج يعبر عن المضمون الذى أنشده من ورائه، ويتسم فى نفس الوقت بالجدية والطرافة والجاذبية الإعلامية، بعيداً عن العناوين التقليدية المستهلكة التى زينت معظم البرامج المناظرة فى الإذاعة والتليفزيون، والتى تدور فى فلك الأمل والتحدى وقهر الصعاب وما إلى ذلك من المصطلحات المرتبطة بذوى الاحتياجات الخاصة. صحيح أن هذه العناوين وتلك البرامج قد عبر أصحابها عن قضايا ذوى الاحتياجات الخاصة بشكلٍ أو بآخر، وصحيحٌ أن معظمها تناول قضايا الإعاقة بشكلٍ إعلامى لا يخلو من المصداقية والإنسانية، إلا أن نظرتى لعنوان برنامجى الوليد جعلتنى أتوقف كثيراً عند هذه النقطة؛ فكان مخاض ذلك العنوان أو قل ذلك المصطلح «أسوياء ولكن» الذى قصدتُ به أن ذوى الاحتياجات الخاصة أسوياء، مثلهم مثل أى شخص فى المجتمع، لهم حقوق وعليهم واجبات، ولكن المجتمع ينظر إلى ذوى الاحتياجات الخاصة نظرةً خاطئةً وربما دونية فى كثيرٍ من الأحيان، فكيف السبيل إلى تعديل هذه النظرة؟ هذا هو الهدف الأول من البرنامج. ولكن الثانى هو أن ذوى الاحتياجات الخاصة، بمختلف أنواع ودرجات إعاقاتهم، يمكنهم أن يتعايشوا مع المجتمع بشكل شبه طبيعى، ولكن بعد توفير مجموعة من الإمكانات التى تساعدهم على تحقيق ذلك، فكان هذا هو هدفى الثانى من البرنامج. بدأتُ فى إعداد وتقديم حلقات برنامجى هذا بشكلٍ أسبوعى فى بثٍ مباشر على مدى ساعة كاملة استضفتُ فيه كبار المسئولين والمهتمين بقضايا الإعاقة فى مختلف المجالات، فضلاً عن أصحاب القضية أنفسهم. عرضتُ الإيجابيات والسلبيات، نماذج النجاح ونماذج الفشل. قمتُ بتغطية الندوات والمؤتمرات، ورصد الأخبار والأحداث المتعلقة بواقعهم، محاولاً فى نفس الوقت المساعدة فى حل المشكلات الواردة إلىَّ فى البرنامج قدر استطاعتى، ومؤكداً على القيمة التوعوية للبرنامج بإثارة اهتمام المواطنين تجاه قضايا ذوى الاحتياجات الخاصة، عن طريق التوجيه الإعلامى المباشر تارة، والحملات التطوعية والمسابقات الثقافية تارةً أخرى، لا سيما أن السلبية التى توهمتها عند بداية حلقات برنامجى الأولى، والتى تتمثل فى أن الأغلبية العظمى من مستمعى برنامجى ليسوا من ذوى الاحتياجات الخاصة، توهمتُ فى البداية أن هذه السلبية غير محمودة فى برنامجى، فاكتشفتُ بعد ذلك مدى إيجابيتها لأنها خرجت ببرنامجى عن الدائرة التقليدية لمثل هذا النوع من البرامج التى يتقوقع مستمعوها داخل بوتقة ذوى الاحتياجات الخاصة. وها أنا ذا أتجاوز محطتى السبعين من برنامجى هذا، إلا أننى لم أكتب هذه السطور للتباهى بما فعلت بقدر ما هى دعوة جديدة لأن ينتقل مصطلح برنامجى «أسوياء ولكن» من ميدان التوصيف الإذاعى إلى دائرة أوسع وأرحب، تجعله قابلاً لأن يكون توجهاً مجتمعيًّا ينظر إلى ذوى الاحتياجات الخاصة على أنهم أسوياء، ويتعامل معهم بنفس الكيفية التى نظرت بها إليهم فى شكلها ومضمونها، وذلك فى مختلف مجالات الحياة ومناحيها بين منابر الإعلام المهتمة بهم، والمؤسسات التعليمية الداعمة لهم ومنظمات المجتمع المدنى المتعاملة معها وغير ذلك من الجهات التى يمكن أن تتبنى مثل هذا الفكر المجتمعى بشكل حقيقى وجاد بعيداً عن الشعارات الجوفاء التى لا تؤتى بثمار على الإطلاق. لتكن هذه الدعوة بداية الطريق لفتح صفحة جديدة وناصعة فى علاقة المجتمع مع ذوى الاحتياجات الخاصة، والتى تمنيتها كثيراً وحفزنى عليها فى الفترة الأخيرة أحد مستمعى برنامجى الأستاذ صلاح نصر، الذى يبدو أنه قرأ أفكارى وطالبنى فى إحدى حلقاتى الأخيرة بعمل حملة قومية تحمل اسم «أسوياء ولكن». فهل من مجيب؟