داخل منزل فى أرض زراعية بمدينة البدرشين جنوبىالجيزة، ومنتصف ليل الأربعاء الماضى،3 من عائلة واحدة يتابعون خطوات مسجل خطر.. قرروا جميعًا قتله.. «تحرياتهم وسؤالهم» عن قاتل قريب لهم منذ عامين أكدت أنه هو.. الثلاثة أطلقوا الرصاص على «الضحية».. وأعلنوا فى شوارع المدينة أنهم أخذوا بالثأر.. وذبحوا «عجلاً» ووزعوه على بعض الأهالى فى المنقطة.. وبعد يومين ألقت الشرطة القبض على المتهمين الثلاثة وأخبرهم رئيس مباحث مركز البدرشين أن القتيل لا علاقة له ب«الثأر» وأنه كان محبوساً عندما انتهت حياة قريبهم قبل عامين. الجريمة التى تسببت فى جريمة القتل الأخيرة بدأت فى فبراير 2011 بقتل سائق توك توك يُدعى محمد، 18 سنة، بقرية المرازيق بالبدرشين.. توجّه يومها الضحية «محمد» بصحبة 3 أشخاص لتوصيلهم بجوار السكة الحديد فى وقت متأخر من الليل.. وتغيّب عن المنزل قرابة 8 ساعات، وأثناء بحث أسرته عنه عثروا عليه جثة هامدة مصاباً بطلق خرطوش فى الرأس وملقى بجوار قضبان السكة الحديد ومسروق «التوك توك» وهاتفه المحمول. والد المجنى عليه، يعمل خفيراً خصوصياً لدى العمدة بالقرية، قال لأفراد الشرطة، أثناء المعاينة: «أنا عايز حق ابنى.. ولازم اعرف مين قتله وازاى وليه». الشرطة لم تتوصل إلى هوية المتهمين بقتل المجنى عليه أو تحديدهم أو القبض عليهم خلال 40 يوماً من ارتكاب الحادث. الأب يسأل العميد خالد عميش، مفتش المباحث، والمقدم محمد غالب، رئيس المباحث، عن المتهمين بقتل نجله، ولكن دون جدوى.. يلقى رداً واحداً: «والله احنا بنشتغل ونعمل اللى علينا.. وإن شاء الله نمسك المتهمين.. واستجوبنا ناس كتير وبلغنا أصحاب محلات ممكن المتهمين يكونوا باعوا لهم الموبايل.. وللأسف مفيش جديد.. وربنا يكرم». الخفير الخصوصى رمضان عبدالواحد لم يكل أو ييأس أو يتردد عن الذهاب لقسم شرطة البدرشين منذ حادث مقتل نجله من عامين، ولا عن أسئلته المتكررة لضباط المباحث ولا الذهاب إلى مكان الحادث الذى قُتل فيه نجله. ولكن لم يجد أى رد يريح باله أو يؤكد له أن دم نجله لم يرُح هدراً، ويقرر أخذ الثأر لنجله فيحاول أن يصل إلى أى خيط للتعرف على هوية المتهمين لقتلهم. الأب.. غابت عنه الابتسامة ولا ينام قرابة سنة و10 أشهر حتى سمع عن إلقاء القبض على 3 مسجلين خطر قتلوا صديقهم بسبب الاختلاف على صفقة المخدرات، وسمع أيضاً أن المتهمين أثناء مناقشتهم أمام اللواء محمود فاروق، مدير المباحث الجنائية، اعترفوا بارتكابهم واقعة قتل سائق توك توك، فأسرع إلى قسم الشرطة يردد عبارات: «الحمد لله.. أخيراً يعنى دم ابنى ماراحش هدر»، ويخبره الضباط أن المتهمين اعترفوا بواقعة أخرى وأنهم قتلوا سائقاً اسمه إبراهيم وسرقوا التوك توك الخاص به وليس نجله. خرج رمضان من القسم يتحدث مع أمناء ومجندى الشرطة قائلاً لهم بصوت مرتفع: «أصلاً مفيش حكومة.. دم ابنى مش هيروح هدر.. أنا هاخد تارى بيدى». استمرت رحلة البحث حتى الأسابيع الأخيرة.. ويوم 20 مايو الجارى.. كان رمضان يجلس على مقهى بالقرية، وأثناء شربه «شاى» أخبره أحد الأشخاص أنه تعرف على شخص يُدعى «عاطف» وقال: «فيه مسجل خطر وانا شفته وهو ماسك فرد خرطوش وضرب نار على ابنك وسرق التوك توك بمساعدة اثنين آخرين». عقب ذلك.. يجمع رمضان معلومات عن ذلك الشخص ويتبين له أنه من قرية «عزبة شمس» وأنه يذهب إلى صديق له مسجل خطر كل يوم ويسهر هناك. الخفير يتخذ القرار بالثأر لابنه.. يذهب إلى منزله فى قرية المرازيق.. يتصل بابنه أيمن وابنى شقيقه ويطلب منهم تنفيذ جريمة الثأر لمحمد، ويعطى كلاً منهم بندقية آلية.. وأخبرهم أن تحرياته ومعلوماته أكدت أن «مسجل خطر» وراء قتل ابنه منذ عامين، وأن ناره ستبرد بعد الأخذ بالثأر. الساعة العاشرة مساء الأربعاء الماضى.. يذهب «أيمن» لتنفيذ وصية والده الخفير الخصوصى.. أيمن كان معه ابنا عمه عندما ذهبوا إلى عزبة شمس وجمعوا تحريات عن المتهم بالقتل وسرقة التوك توك.. وتبين لهم أنه يأتى بشكل يومى إلى منزل صديقه المكون من طابق واحد فى منطقة زراعية بالعزبة. يتصل أيمن بصديق المتهم ويقول له: «أنا فلان وباسأل عن صاحبك عاطف.. محتاجه فى إنهاء صفقة طوب.. وفيها قرشين كويسين».. يستجيب الصديق للاتصال ويقول: «أيوه.. عاطف هنا.. سهران معايا فى البيت». الساعة الثانية عشرة من مساء الأربعاء الماضى.. أيمن وابنا عمه يحاصرون منزل «الصديق» انتظاراً لخروج «هدفهم» .. بعد دقائق غيروا الخطة.. قرروا اقتحام المنزل بدلاً من الانتظار.. أطلقوا الرصاص على الشاب «عاطف».. اطمأنوا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة بعد إصابته ب5 طلقات فى البطن والرأس، وتمكنوا من الهرب بعد توثيق صديق المجنى عليه بالحبال وتهديده بالقتل. اليوم الثانى «زغرودة» فى منزل الخفير «رمضان».. وإطلاق أعيرة نارية فى الهواء ترن فى آذان الجيران وأهل القرية.. توزيع «زجاجات مياه غازية» على سكان الشارع والجيران.. الجميع يتحدث عن أخذ رمضان بالثأر لابنه محمد الذى قُتل منذ عامين. المفاجأة كانت فى انتظار الخفير وابنه وابنى شقيقه.. «المتهمون قتلوا المجنى عليه خطأ».. أكدت تحريات فريق البحث بقيادة اللواء محمود فاروق مدير المباحث الجنائية، والعميدين أحمد الأزهرى رئيس مباحث القطاع، وخالد عميش مفتش المباحث أن المجنى عليه عاطف.. القتيل، 32 سنة، مسجل شقى خطر، وسبق اتهامه فى 9 قضايا، لكنه ليس مرتكب واقعة قتل نجل الخفير وأنه قُتل خطأ. وتثبت التحريات أنه كان محبوساً حين وقعت جريمة القتل فى فبراير 2011. اللواء محمد الشرقاوى، مدير الإدارة العامة للمباحث، أمر بالقبض على المتهمين، وانطلقت قوة من المباحث بقيادة المقدم محمد غالب، رئيس مباحث البدرشين، لمطاردة المتهمين وفتشت المنزل ولم تتوصل لأحد.. وتبين أنهم هربوا إلى منقطة جبلية عند بعض أقاربهم. ملف القضية أمام المستشار أحمد البحراوى، المحامى العام الأول لنيابات جنوبالجيزة.. وانتقل فريق من النيابة لإجراء معاينة.. وانتُدب الطب الشرعى لتشريح جثة القتيل.. مصدر قضائى قال: «النيابة ستوجه للمتهمين تهمة القتل العمد وليس القتل الخطأ.. لأنهم حين أطلقوا الرصاص كان يقصدون القتل وإزهاق روح القتيل.. القتيل البرىء».