«كل الاحتمالات مفتوحة» هى الإجابة التى ترددت كثيراً خلال الأيام السبعة التى اختُطف خلالها المجندون المصريون فى سيناء، إجابة كانت هى الأبرز لدى كثير من المسئولين عن الكثير من الأسئلة، «هل سيتحرك الجيش؟»، «هل الجنود فى سيناء؟». ودون مقدمات تم الإفراج عن الجنود فى مشهد درامى، برره كثيرون، لكن بقيت بعض الأسئلة التى سألها رجل الشارع دون إجابة.. «الوطن» قامت بجولة فى القرى والمدن التى شهدت مسحاً جوياً بمروحيات الجيش، فى محاولة للإجابة عن السؤال «أين كان الجنود؟»، لكن تبقى الإجابة لدى الجهات المسئولة، وما حاولناه هو التعرف على الوضع الأمنى فى تلك المناطق، التى تتشابه فيما بينها فى عامل واحد هو «الغياب الأمنى». تشتهر المدينة الحدودية التى تقع جنوبى مدينة الشيخ زويد بانتشار الأسلحة وزيادة أعداد المنتمين للتيار السلفى الجهادى، الأوضاع الأمنية فى المهدية غير مطمئنة، كل هذه معطيات دفعت بالمهدية إلى قائمة الأماكن التى قامت مروحيات الجيش بتمشيطها ومسحها، دون أن تدخلها قوات برية تابعة للجيش. تسكن المهدية قبائل مختلفة كالسواركة والرميلات والترابين، وهى ثلاثة من كبريات القبائل العربية التى تسكن شمال سيناء، ولا يوجد بالمهدية أى وجود أمنى إلا على بعد حوالى 10 كيلومترات، حيث يقع أقرب الكمائن التابعة للشرطة عند طريق العريش-رفح، وفى الآونة الأخيرة دشن الجيش كميناً عند مدخل المدينة على بعد حوالى ثلاثة كيلومترات. الشيخ إبراهيم المنيعى، أحد مشايخ قبيلة السواركة، لا يستبعد أن يكون «الجنود لم يكونوا بمكان واحد فى سيناء، وبالتالى فاحتمال أن يكون أى منهم فى مكان يغيب عنه الأمن»؛ ويتابع المنيعى أن المهدية واحدة من المدن السيناوية التى يغيب عنها الأمن، وهى إثبات حالة لما تشهده سيناء بالكامل، فالدولة فى سيناء تعانى من «الموت السريرى» ولا أظن لذلك أن حادث اختطاف الجنود سيكون الأخير بين حالات الاختطاف التى تتم فيها المساومة على إطلاق سراح المخطوفين مقابل الإفراج عن مساجين. يرى المنيعى أن «استهداف الجيش لمناطق بعينها لا بد أنه مدعوم بما هو معروف عن تلك الأماكن من غياب لأقسام ونقاط وكمائن الشرطة، الأمر الذى يزيد من وجود منتمين إلى جماعات متطرفة فكرياً وقد يكون بعضها متورطاً فى حادث الاختطاف، لكن المعروف أن سيناء تعانى حالة من التراخى الأمنى فى كل المناطق». «الجماعات السلفية الجهادية حاضرة فى المهدية بقوة، ولى علاقة ببعض قياداتهم، الأمر الذى دفع السلطات لأن تطلب منى القيام بدور الوساطة معهم إلا أننى رفضت، لأن الدولة لا تنفذ وعودها معنا من وعود بالتنمية ودعم القطاع الخدمى فى سيناء» يقول الشيخ إبراهيم المنيعى. لأيام ثلاثة ظلت الطائرات المروحية محلقة فى سماء «المهدية»، ومع الصورة الذهنية التى تلحق بالمدينة لدى رجل الشارع السيناوى بقيت الشكوك تحوم حول المدينة حول احتمالات تخبئة الجنود فيها. على الحدود مع إسرائيل توجد العجراء، كامتداد صحراوى يصل إلى بعد 30 كيلومتراً فى عمق صحراء سيناء، ويسكن تلك المساحة الشاسعة مواطنون من قبائل الملالحة والرميلات والسواركة والترابين، دون أن يغطى ذلك الخليط السكانى المنطقة بأكملها. يقول سالم أبومسافر، أحد عواقل قبيلة الملالحة، «المنطقة فى العجراء صحراوية ولا وجود للأمن بها، ولا أقسام شرطة، والأنكى أن المدينة الحدودية لا تعرف الطرق الممهدة بالكامل، فالكثير من المناطق يتم الوصول إليها عبر الصحارى، مما يصعب المهمة أمام الأمن للوصول ويسمح لأصحاب الفكر المتطرف من النشاط بها». يقول مصطفى الأطرش، الناشط السياسى السيناوى، إن «قيام الجيش بالتحليق بمروحياته فى سماء العجراء لا يعنى أن الجنود الذين أطلق سراحهم كانوا متحجزين بها بالضرورة، فهذه مسألة تخص الجيش وتعتمد على تحركاته وحساباته». العجراء منطقة معروفة فى سيناء بنشاط الجماعات الإسلامية المتشددة فيها، هذا ما يؤكده الأطرش، المنتمى لقبيلة الترابين، الذى يذكر أن «العجراء كانت هى المكان الذى انطلقت منه صواريخ إلى الأراضى الإسرائيلية فى السابق، مما جعلها منطقة قلاقل لدى الحكومة المصرية». يضيف سالم أبومسافر أن «العجراء شهدت فى السنين الأخيرة وفود الكثير من المنتمين للجماعات التكفيرية، نظراً لحالتها الأمنية الضعيفة، لكن نظراً لمعرفة الأهالى الأصليين لبعضهم فيصعب أن يكون احتجاز الجنود قد تم لدى أى الأهالى المعروفين للعجراء». ويشير أبومسافر إلى ثقته فى أن الأمن لديه معلومات بنى عليها اختيار المناطق التى يقوم الجيش بتمشيطها، وإن كانت العجراء لم تشهد دخول جنود إلى المنازل، فإن الجنود دخلوا قرية صلاح الدين فى مدينة البرث لكنهم لم يعثروا على شىء». الجورة، كانت واحدة من المدن التى شهدت سماؤها تمشيطاً بمروحيات الجيش الطائرة، إلا أن الشيخ حسن أبوخلف، شيخ مجاهدى فلسطين، يقول «تمشيط الجورة من الجو لا يعنى بالضرورة أن الجيش يحتمل وجود الجنود المخطوفين الذين أطلق سراحهم فيها، فالجورة لها طبيعة خاصة لأنها ملتقى أكثر من طريق فتصل بين العجراء والبرث والمهدية وغيرها من المدن المعروف عنها نشاط التكفيريين فيها». تقع الجورة جنوبى مدينة الشيخ زويد على بعد حوالى 10 كيلومترات، ويسكنها قبائل السواركة والترابين والرميلات، دون أن يوجد بها أى وجود أمنى لا فى هيئة أقسام بوليس أو كمائن، ويوجد بالعجراء مقر للقوات متعددة الجنسيات، وقد شهدت خلال الفترة الأخيرة حالة من التأهب الأمنى حيث دُشن عند مدخلها كمين تابع للقوات المسلحة، ومُشطت سماؤها بالمروحيات التابعة للجيش وقام اللواء أحمد وصفى، قائد الجيش الثانى، بتفقد الوضع الأمنى بها عند زيارته لمطار الجورة التابع لمقر القوات متعددة الجنسيات. يرى الشيخ أبوخلف أن «أُس الفساد هو اتفاقية كامب ديفيد التى قسمت سيناء إلى ثلاث مناطق طولياً وكانت المنطقة الأقرب من إسرائيل محظورة على الجيش المصرى إلا بالتنسيق مع الجهات الخارجية، وقد تسبب ذلك فى الاعتماد على أفراد الأمن المركزى غير المدربين جيداً وغير المهيئين لحفظ الأمن مما أضعف الوضع الأمنى فى مدن كثيرة تقع فى المنطقة (ج) ومنها العجراء والجورة والمهدية، لذا فالحل البديهى لما تشهده سيناء أن يتم إعادة النظر فى اتفاقية كامب ديفيد اللعينة». يقول الشيخ أبوخلف إن «التيارات التكفيرية تنشط فى المناطق التى لا تعرف الأمن؛ لذا فهى نشيطة جداً فى الجورة والعجراء والمهدية وغيرها، إلا أن هذه المجموعات تستمد فكرها من المشايخ الوهابيين البعيدين عن مذهب الأزهر كمحمد الظواهرى وحازم صلاح أبوإسماعيل ومرجان سالم». فى أعقاب حادث قتل الجنود فى رفح، أغسطس من العام الماضى، نشرت الصحف صورة لجثة متفحمة قالت مصادر أمنية إنها «جثة أحد المتسللين كان قد أقام فى أحد الأكواخ عند مدخل نجع شيبانة وكان متورطاً فى حادث مقتل جنود رفح ال16». يقول محمد سلامة، أحد شباب نجع شيبانة، إن «شيبانة التى شهدت سماؤها نشاطاً من قبل مروحيات الجيش هى ذاتها المنطقة التى تشهد حالة من انعدام الأمن بدا فى زيادة نشاط الجماعات التكفيرية وزيادة أعدادهم عما قبل الثورة مقارنة ببقية التيارات الدينية كالصوفية». تسكن شيبانة قبال الرميلات والسواركة، وتقع بين المهدية والجورة، وتحول أهلها إلى الاحتكام أمام القضاء الشرعى بنسبة كبيرة، وفقاً لما يقوله سلامة، الذى أشار إلى أن «حوالى 80% من الأهالى تحولوا للتقاضى أمام القضاة الشرعيين الذين كانوا يخشون قبل الثورة مجرد الظهور خوفاً من الأجهزة الأمنية، ويمكن أن يكون التحول إلى القضاء الشرعى خياراً له طابع مادى فالتقاضى أمام القضاء العرفى الذى كان يسود المجتمع القبلى فى سيناء قبل الثورة مُكلِّف، فى حين أن القضاء الشرعى غير مكلف». تقع مدينة «الجميعة» بالقرب من جبل الحلال فى وسط محافظة شمال سيناء، على طريق «لحفن»، وهو الطريق الذى عُثر عنده على الجنود الذين أُطلق سراحهم، ويقول أحد سكان «الجميعة»، الذى رفض ذكر اسمه، إن «القرية تفتقر إلى الخدمات الأمنية، والطرق، كما تقع الجميعة قرب جبل الحلال، الذى نال شهرته الواسعة من نشاط الجماعات التكفيرية فيه». ويقول المصدر «الجميعة فيها كثير من مواصفات جبل الحلال، فالأمن فيها شبه منعدم، كما أن الطبيعة الجبلية تسمح للخارجين على القانون بالتستر فيها».