كان الأمل يبرق أمام أعيننا فى الثمانية عشر يوماً الأولى من ثورة الخامس والعشرين من يناير، كنا نشعر بأن الحلم قد قارب الحقيقة، كنا نسيجاً واحداً وسبيكة متماسكة لا تعرف الانكسار، كل القوى الوطنية بكافة توجهاتهم، من إسلاميين وليبراليين ويساريين، الكل كان نسيجاً واحداً متماسكاً أمام هدف واحد تناسينا من أجله كافة مشاكلنا فلما أزحنا رأس النظام تفرغنا لتقسيم (التورتة) فوقع الشقاق والخلاف ودب الحقد فى النفوس. كل العداوات قد ترجى إزالتها...... إلا عداوة من عداك عن حسد. عند هذه النقطة بالذات وقعنا فى منحنى الخطر، فغاصت أقدامنا فى الطين بل فى الوحل وأصبحنا لقمه سائغة لكل من يحيك بنا دوائر السوء ويكن لنا العداوة والبغضاء ووقعت الحرب بيننا والحرب مبدؤها كلام. فإن النار بالعودين تزكى...... وأن الحرب مبدؤها كلام. وكأن هذه طبيعة فينا، فالعرب مكثوا ثمانين عاماً فى صراع دامٍ من أجل فحل وناقة، والتخوين بيننا أصبح على أشده، لم نعِ الدرس جيدا، لم نتذكر أن هناك آلاف الشباب أصيبوا والمئات قتلوا من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وليس من أجل منصب رخيص زائف لم نحفظ لهؤلاء حقهم لم نراعِ دمهم، أهدرنا كل القيم بتصارعنا، لم نعلم أن السلطة ليست تشريفاً بقدر ما هى تكليف، فقدنا أهم عنصر لقيادة المرحلة وهو الإخلاص، الإخلاص لهذا البلد العظيم لكن الإخلاص عزيز لأن ليس للنفس فيه نصيب فلما عز علينا الإخلاص هانت علينا بلادنا، فى لحظة تاريخية أتت الفرصة راكعة تحت أقدامنا. إذا هبت رياحك فاغتنمها..... فإن لكل عاصفة سكون. والفرصة لا تقبل إلا على من يعرف كيف يغازلها، أتت لنسترد كرامتنا لنسترد عزتنا لنستعيد ريادتنا التى أطاحت بها مواكب الأقزام ولكن (ولات حين مناص) فالنفس هى النفس والصراع احتدم والكل يدعى القربى. وكلٌ يدعى وصلاً بليلى.... وليلى لا تقر لهم بذاك. إذا اشتبكت دموعٌ فى جفون.... تبين من بكى ممن تباك. فضعفت شوكتنا وخارت عزيمتنا ونخر السوس فى جسدنا فوهن عظمنا فلما هانت علينا أنفسنا، هنّا على غيرنا، ظننا أن الليث يبتسم ولكن هيهات هيهات! إذا رأيت نيوب الليث بارزة.... فلا تظنن أن الليث يبتسم. وأصبح الكل يدعى علو الشرف وأنه صاحب المقام الرفيع وأنه الملهم لهذه الثورة وأنه القامة والقيمة والمكانة الرفيعة كأنه يقول: ما أبعد العيب والنقصان من شرفى..... أنا الثريا وذان الشيب والهرم. فغرقنا فى شربة ماء وعضضنا أصابع الندم ولكن قد فات الأوان (قضى الأمر الذى فيه تستفتيان) لم نستطع أن نوحد كلمتنا قبل توحيد صفوفنا وكأننا كنا نحتاج إلى من يصرخ فينا وبصوت عال يطرق آذاننا صباح مساء (أليس فيكم من رجل رشيد) ولكن وأسفاه! فى الحلقة الأخيرة والمحك الأخطر فى عرس طال انتظاره بعد زواج قهرى دام لعقود من الزمن لم تفرح العروس لم تهنأ بعرسها، فقد خرج علينا المجلس العسكرى -لا سامحه الله- فى ظرف دقيق بإعلان دستورى مكمل مفاده أن رئيس الدولة المنتخب بلا صلاحيات. ألقاه فى اليم مكتوفاً وقال له..... إياك إياك أن تبتل بالماء. وهذا ما يعنى أن الأسد قد كشر عن أنيابه وأنه انقلاب عسكرى بكل ما تحمله الكلمة من معنى بل ويعنى هذا الإعلان استمرار عسكرة الدولة وتكريساً لحكم العسكر ولا يسعنى فى نهاية حديثى إلا أن أقول (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله).