تطلَق «المقاطعة» على أية محاولة جماعية لاستبعاد أى شخص أو أى كيان أو نظام حكم من مزايا ومنافع محددة أو التمتع بدفء العلاقات المتعددة وفوائدها، وهى بذلك تتضمن رفضاً ممنهجاً للدخول فى علاقات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية مع دولة أو مجموعة من الدول أو سلطة سياسية، كنوع من العقاب الرامى إلى إجبار من تتم مقاطعته على الرضوخ والامتثال لسلوك معين. وفى الساحة الداخلية تكون وسيلة للضغط على نظام مستبد بهدف المساهمة فى تآكل شرعيته أو إسقاطه أو تبصير الناس بخطوات واضحة المعالم نحو عصيان مدنى شامل، لتحقيق أى من هذين الهدفين. والمقاطعة على مستوى الفعل مورست فى القرون الغابرة، فمشركو قريش اتخذوا فى بداية الدعوة الإسلامية قراراً بمقاطعة النبى عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وحاصروهم فى شعبة من شعاب مكة، وقرروا عدم الشراء منهم أو البيع لهم أو مصاهرتهم، حتى اضطروا إلى أكل أوراق الشجر حتى يستمروا على قيد الحياة. لكن الاصطلاح المتداول حالياً يرجع إلى الحملة التى نظمتها عصبة الأرض الأيرلندية عام 1880 فى مواجهة الكابتن بويكوت Boycott، وهو ضابط متقاعد فى الجيش البريطانى، كان يعمل وكيلاً لملاك الأراضى فى البلاد، وكان مكروهاً ومنبوذاً من الناس إلى حد بعيد. وقد طُبقت المقاطعة فى أغلب الأوقات فى ركاب العلاقات الاقتصادية الدولية، حيث تتم مقاطعة السلع والخدمات التى تنتجها جهة معينة مستهدَفة. وتنقسم المقاطعة من حيث الحجم إلى: كلية؛ أى مقاطعة بالجملة للسلع والخدمات، أو جزئية؛ حيث تقتصر على سلعة معينة أو مجموعة من السلع. ومن حيث الصلة، تنقسم إلى: مباشرة موجهة بطريقة واضحة ضد الجهة المستهدفة، وغير مباشرة، مثل معاقبة من يتصل أو يتعامل مع تلك الجهة. وتُستخدم هذه الوسيلة على نحو متزايد فى العلاقات الدولية بكل أنواعها من قبَل الدول والعناصر الفاعلة الأخرى فى النظام الدولى. وهناك تقسيمات أخرى وفق أنواع المقاطعات، توزعها على: اقتصادية وسياسية وثقافية وإعلامية. ويوجد تقسيم آخر يركز على جهات التنفيذ، فيوزعها على: مقاطعة على مستوى الدول، كمقاطعة العرب والأفارقة لإسرائيل عقب عدوان 1967، ومقاطعة أممية تتم تحت راية منظمات عالمية مثل تلك التى فُرضت على العراق وليبيا، ومقاطعة شعبية تقوم على أكتاف مؤسسات المجتمع المدنى والحركات الاجتماعية ويتفاعل معها الناس إيجابياً بغض النظر عن الموقف الرسمى، وهو ما حدث بمقاطعة العرب والمسلمين للسلع الدانماركية بعد نشر صور مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، وهناك المقاطعة الشاملة التى يتوافق عليها الموقفان الرسمى والشعبى. وبالنسبة للمقاطعة الاقتصادية، فهناك أمثلة عديدة لاستعمال هذه الآلية، من بينها مقاطعة الفلسطينيين للسلع الإسرائيلية عام 1922، ومقاطعة الهنود للسلع الإنجليزية فى إطار خطة شاملة للعصيان المدنى «الساتياجراها» قادها المهاتما غاندى الذى طالب أهل بلده بالاعتماد على إمكاناتهم المحلية البسيطة فى الغذاء والكساء، ورفض اليابانيين شراء السلع الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وهناك قرار جامعة الدول العربية عام 1945 بمقاطعة إسرائيل اقتصادياً، وتطور الأمر إلى إنشاء جهاز عام 1951 يشرف على هذا الالتزام بهذا القرار، ويوجد قرار الملك فيصل بحظر بيع البترول لدول غربية بعد حربى 1967 و1973، وفى المقابل أنشأ أمريكيون مناصرون لإسرائيل محطات بنزين لا تبيع النفط العربى تحت شعار «نفط خالٍ من الإرهاب»، وقدمت الولاياتالمتحدة نموذجاً صارخاً على استخدام هذه الآلية فى معاقبة الدول التى تناطحها، وأطلقت عليها «الدول المارقة» أو «الداعمة للإرهاب» حيث تمنع مختلف الشركات والمؤسسات الأمريكية من التعامل معها. وقد تم تطبيق هذه الآلية كعقوبة سياسية واقتصادية أو مادية ومعنوية فى حال جنوب أفريقيا أيام الفصل العنصرى، والعراق وقت حكم صدام حسين، وإيران. (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).