ضحكت كثيراً عندما سمعت أحد أبناء المخلوع يردد مقولة «فعلاً.. . ياما فى الحبس مظاليم» بعد سماعه لحكم هزيل من قاض متورط نتيجة قضية غير مكتملة الدلائل، هى قد تكون مقولة صحيحة، لكنى سأعتبرها فعلاً كذلك إن كان المقصود بوصف الحبس هو ذلك الوطن الذى نعيش فيه، ذلك الوطن الذى تحولت حدوده إلى أسوار عالية، وتحول ساكنوه إلى فاقدين للحرية وأحياناً للكرامة وكثيراً للرأى، وتحول المسئولون عنه إلى سماسرة. بكيت كثيراً عندما شاهدت تأثر تلك المرأة بعد سماعها حكم القرن، لم تكن من أمهات أحد الشهداء، لم يكن حتى هناك شهيد من أقربائها، كل ما فى الأمر أنها شعرت بأهمية تلك الدماء التى سالت، وقيمتها، غيرها لم يشعر بها، لم يشعر أن لها أى معنى، غيرها شربها وكأنها حاجة ساقعة، غيرها فرح ببراءة هو يعلم أنها ملفقة، غيرها عينه تندب فيها رصاصة وعليه بجاحة توزن من الأطنان «ألوف». ما بين الضحك والبكاء كان المنطق يفرض قوانينه ويضع شروطه، من الذى نلومه الآن على حكم أشبه بالفعل الفاضح فى الطريق العام، من الذى نلومه الآن على وصول الفلول للتصفيات النهائية فى بطولة الانتخابات الرئاسية (النسخة الأولى)، من الذى نلومه الآن على ارتفاع صوت أبناء المخلوع بعد أن عاشوا فترة من الزمن (شهور الثورة الأولى) مختبئين فى الجحور منتظرين الفرج، من الذى نلومه الآن على تخبط القرارات، وتأخر الاتحادات، وتقلب الآراء، وتفتت الأصوات، وتشرذم الثوار، وخلينى ساكت أحسن. إن كان المجلس العسكرى مسئولا عن كل ما سبق، فهو المسئول رقم اثنين، وإن كان الطرف الثالث فهو المسئول رقم ثلاثة، وإن كان مبارك وأعوانه فهو المسئول رقم أربعة، أما المسئول رقم واحد فهو «إحنا»، بشحمنا ولحمنا، ومخنا وعقلنا، وفزلكتنا اللى جابتنا ورا، نحن أكثر الناس عداوة للثورة عندما سمحنا لأطماعنا الشخصية بأن تتغلب على أهدافنا الثورية، فكانت النتيجة ضياع القيم، واضمحلال الأهداف، واختفاء الثوار، واهتزاز صورة الميدان، واختلال ميزان العدل. إن أردتم اللوم فلوموا أنفسكم، بس عاوزك تلوم جامد منك ليه.. . جااااامد، جامد حتى يغمى عليك من كثرة الإرهاق، وعندما تفوق مما كنت فيه حاول أن تتذكر أخلاق الميدان، تذكرها جيدها، احفرها فى ذاكرتك، واطبعها فى وجدناك، وبروّزها فى قلبك، فتصبح جاهزة لعقلك ومسيطرة على لسانك ومحركة لمواقفك، هذا إن كنت ما زلت متخذاً موقفاً إيجابيا سليما، ولم تتأثر بما ينشره ويردده إعلام البطة، لم تتأثر بما ينشره ويردده إعلام المخلوع (المخلوع غير البطة).