منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوطن" تنشر النص الكامل لمحاضرة هيكل في الدوحة: الخليج مطمع قوى دولية.. والزمن القادم آسيوي
البترول الخليجي يفقد صفاته.. وشبه الجزيرة تنتظر 100 مليون نسمة خلال 10 أعوام
نشر في الوطن يوم 06 - 05 - 2013

تنشر "الوطن" النص الكامل للمحاضرة التي ألقاها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، اليوم، في جامعة جورج تاون الأمريكية بالدوحة، تحت عنوان "الخليج.. اليوم بعد غد".
وجاء النص كاملا كالتالي: "إنني أشكركم سيادة العميد على دعوتي متحدثا في هذا المعهد العلمي الموصول بواحدة من أهم الجامعات الأمريكية، والذي تستضيفه هذه العاصمة التي تضج بالحيوية، وسط هذا الشاطئ الخليجي الممتد بمواقع الطاقة والنور، يرسم على حافة الصحراء خطا اعتباريا وسط قارات وبحار وثقافات وحضارات. وقد استعملت وصف الخط الاعتباري قاصدا، لأن الخط الاعتباري ليس فاصلا ولا عازلا، وإنما هو علامة على الخرائط، مثله مثل خطوط الطول والعرض، ترسم ولا تعزل، ومنطقته أقرب إلى أن تكون شرفة عريضة في امتدادها، ضيقة في فسحتها، مطلة على الشاطئ الخليجي: وراءها العمق العربي، وأمامها الشاطئ الإيراني، والفضاء الآسيوي بعده.
ولعلي اقتربت من قضايا الخليج عندما فرضت المتغيرات خلال الستينيات من القرن الماضي على الحكومة البريطانية – بعد استقلال الهند، وبعد زيادة تكاليف سباق الحرب الباردة، وبعد هزيمة السويس سنة 1956 – أن تعتمد سياسة "الانسحاب شرق السويس"، ثم قضت الظروف أن أكون واحدا من المفاوضين المصريين مع المقيم العام البريطاني للمنطقة أيامها، السير "ويليام لوس" ثم مع غيره آخرين. وكان مستقبل الخليج مطروحا للبحث تلك الأيام، ضمن الصراع بين الحركة القومية العربية المتقدمة، والإمبراطورية البريطانية المتراجعة، وكانت تلك فترة حافلة بالآمال والطموحات، وعلى أي حال فإنه خلال تلك الفترة ظهر الدور المحتمل الكبير لهذا الخط على الخليج، كما انبثقت الحيوية الهائلة الكامنة في أهله، وفي دوله التي قامت وشيدت بالعمران ما يتجاوز الخيال في بعض المواقع.
والشاهد أنه كان عمرانا طموحا، حاول أن يلاحق التقدم بما أتيح له من وسائل، رغم ما حوله من مخاطر، وذلك طبيعي لأن هذا الخط – بموارده وثرواته – واقع بين شاطئين، وراءهما مسافات برية شاسعة، وكتلا إنسانية قلقة، وصراعات دولية قديمة وجديدة – وكذلك فهو في حد ذاته خط يصعب أن يكون سهلا أو ساكنا.
سيادة العميد..
إنني بعد الشكر أواجه سؤالين لابد من وقفة أمامهما:
أولهما، الاعتذار لأني أعرف أن الجامعات بصفة عامة تؤثر حديث العلم على حديث السياسة، لكن شفاعتي أن حديث السياسة درجات، فهناك حديث السياسة بمعنى صراعات السلطة، وهناك حديث السياسة باعتبارها طروحات للمستقبل، وذلك ما أحاوله قدر ما أستطيع، عارفا أن هناك سوابق نذكرها، وقد نحاول أن نتخذ منها نماذج نحتذيها، وعلامات نسترشد بها رغم اختلاف الأحداث والأقدار، ولعلكم تذكرون محاضرة "ونستون تشرشل" الشهيرة في جامعة "فولتون" Fulton (ميسوري) سنة 1946، والتي لفت فيها الأنظار إلى أن ستارا حديديا ينزل على أوروبا الشرقية.
ودون مقارنة بهذا النموذج الشهير، فإنني – متبعا ومسترشدا – حاولت في مناسبات عديدة أن تكون الجامعة منبري لحديث السياسة، عند نقط تحول تصورتها مهمة في سياسات العرب الراهنة.
فعلت ذلك في شأن اتفاقية "أوسلو" بين إسرائيل والفلسطينيين، وكان حديثي بشأنها محاضرة في أكتوبر 1993، بعنوان "أوسلو وأريحا" أولا وأخيرا، وفيها حاولت تحذير الفلسطينيين من أن ما يعتبرونه شبه بداية لحل سلمي، هو – واقعيا – شبه نهاية لقضيتهم!!
ثم كررت التجربة بعد ذلك في أكتوبر 2002، في مسألة توريث السلطة في مصر من أب إلى ابن، وكان قصدي أن ألفت النظر إلى بوادر وإشارات توحي بأن الرئيس المصري السابق يريد تقليد نموذج شاع في النظم الجمهورية العربية، يتصورها وراثية.
وفي المرة الأولى بشأن اتفاقية "أوسلو" فإن تحذيري المبكر لم يُجدِ نفعا، لكنه في المرة الثانية وبخصوص توريث السلطة في مصر، فظني أن التحذير المبكر نبَّه إلى المحظور، واللافت أن حديثي في المرتين كان في الجامعة الأمريكية في "القاهرة"، ثم يجيء حديثي هذه المرة الثالثة في جامعة "چورچ تاون" الأمريكية في "الدوحة"!!
يجيء الدور على السؤال الثاني، ذلك أنني وقد اخترت موضوعا سياسيا فقد كان المنتظر أن أتحدث عن قضايا المشرق العربي، خصوصا وأنني قادم إلى الخليج من موقع غاطس بالكامل في المشاكل والعقد؟!!
لكن خروجي عن المنتظر يعود – بالدرجة الأولى – إلى أن شئون المشرق العربي معروفة لكم ومكشوفة أمامكم، ومحصلتها أننا هناك في ذلك المشرق نعيش حالة ولادة متعثرة بين بقايا ماضي لم يقتنع بعد أن ينسحب، ومستقبل لم يعرف بعد كيف يتقدم، وعليه فإن ما يجري عندنا هو شبه عملية انسلاخ مؤلمة من زمان إلى زمان، وتلك تجربة عانتها من قبلنا أمم وشعوب، لكن صعوبة الأمر بالنسبة لنا، وخلافا مع تجارب غيرنا، أن هذه العملية بالولادة أو الانسلاخ تقع على ساحة فيها مَنْ يعرف كيف يتوضأ بالدم، لكنه ليس فيها مَنْ يعرف كيف يصلي صلاة الجماعة على حد تصوير لشاعر فارسي قديم.
ويضاعف من المأزق أن الساحة مستباحة، وأن العالم كله يتدخل، ومن لا يتدخل يتفرج، مستغربا ما يرى، دون أن يمد بصره إلى ما وراء الصور، ليعرف أنه صراع على المستقبل لأمة فاض بها الكيل، وقررت أن تتخلى عن الصمت والسلبية، وأن تهزم اليأس وتنتصر عليه، ومع أن بعض الصور الظاهرة على مواقع الأحداث تدعو إلى التخوف والتوجس، إلا أن الحقائق وراء الصور تؤكد أن الحركة إلى أمام غالبة باستمرار، وأنه إذا كان الماضي أحجارا ثقيلة تعوق، فإن المستقبل أجنحة أقوى تحلِّق!!
حضرات السيدات والسادة..
أنتقل إلى موضوعي الليلة، وإذا سمحتم لي – دون أن أتجاوز على خصوصية لقاء – فإنني أتذكر أن صاحب السمو أمير هذه البلاد وصديقنا الكبير الشيخ "حمد بن خليفة آل ثان" – أثار معي مرة ومطولا موضوع مستقبل الخليج العربي وأمنه، وكان ذلك قبل سنوات طويلة، ومن المصادفات أننا كنا يومها في مدينة الغردقة المصرية، المطلة على شاطئ البحر الأحمر، بينما الشاطئ الآخر لشبه الجزيرة العربية بادٍ أمامنا من بعيد كأنه غيم سحاب، يذكرنا بأن المسافات ليست نائية كما نتصور أحيانا، وأن القضايا ليست منعزلة كما يظن بعض الناس!!
وكان رأيي وقد عرضته:
1- أن الخليج مطمح قوى دولية وإقليمية، وهذه حقيقة أشياء.
2- أن بجواره ثلاث دول كبيرة تطل عليه من كل جانب، وهي السعودية – والعراق – وإيران، لكن هذه الدول في اللحظة الراهنة مشغولة عنه.
3- أن هناك نوعا من التوازن بين احتمال ضغط تمارسه أيًّا من هذه الدول القريبة، وبين مواقف دول غيرها في العمق العربي، وبخاصة "مصر"، وشمال أفريقيا العربي، ثم "سوريا"، وجوار الشام الواسع.
4- وأن الاهتمام الخاص الأوروبي والأمريكي بالمنطقة قائم وفاعل ودواعيه متعددة: الموقع وإمكانياته، والطاقة وفوائضها، وذلك ضمان حاضر وإن ماثلا عند حافة الأفق.
5- وأخيرا فإن الثروة المستحقة والمتدفقة على بلدان الخليج الجديدة تمكِّنها من توسيع دائرة الحريصين عليها ولو بتأثير ما يصل إليهم من فوائضها، وذلك استثمار نافع له مردود قريب وبعيد!!
ومؤدى ذلك أن المخاطر موجودة، لكنها محدودة، وتقديري وقتها أنه في تلك اللحظة ليس أمام الأطراف غير أن يتابعوا بعناية وأن يراقبوا بحرص!!
ومنذ ذلك الحديث قبل سنوات في "الغردقة"، امتلأت أشرعة السفن في الخليج برياح قوية، وصلت في بعض الأوقات إلى درجة العاصفة، وطرأت أحوال، وتغيرت معادلات وتوازنات.
سيادة العميد..
حضرات السيدات والسادة..
أستطيع أن أعدد أمامكم مجموعة طارئة وخطرة من المتغيرات وقعت وأثَّرت على المعادلات والتوازنات في الخليج.
أولها: أن فضاء منطقة شمال ووسط الشام وحتى تخوم شبه الجزيرة العربية شهدت وتشهد دمارا واسعا إنسانيا وعمرانيا وثقافيا، وإذا لم يكن علينا الآن أن نتحدث في أسباب هذا الدمار، فإننا مطالبون على الأقل بتدبر نتائجه، وأخطرها أن هناك فراغ قوة خطير، وفراغ سلطة مخيف نشأ حول الخليج، وذلك – بدوره – سوف يستدعي أشكالا وألوانا من الاضطراب والفوضى غير محكومة وغير منضبطة.
ثانيها: أن ما وقع في "إيران" حتى من قبل الثورة الإسلامية – ثم ما وقع بين "إيران" و"العراق" عقب تلك الثورة الإسلامية – ثم ما استحكم بعد ذلك من فتن مذهبية بين "سنة" و"شيعة" – وجدت مَنْ يشعل النار فيها بشحنات من التوتر – تلاقت جميعها مع نوازل الفوضى على الجوار الغربي، ثم زاد أن وقوعها جاء قريبا من ساحة براكين نشطة مرئية من الخليج، وعلى مسمع منه في "باكستان" و"أفغانستان".
ثالثا: لقد كان شائعا لعقود طويلة أن العمق العربي داخل، وربما متداخل في الشأن الخليجي وهذا طبيعي، ثم وقع خلال السنوات الأخيرة أن الخليج أصبح داخلا ومتداخلا في العمق العربي، وهذا بدوره طبيعي، على أن للطبيعة مواسمها، فلقد حدث تدخل وتداخل الخليج متوافقا مع وقوع زلازل اجتماعية وسياسية وفكرية عنيفة، والزلازل لها توابع، والتأهب للزلازل صعب، والاستعداد للتوابع كذلك، وفي الحالتين فإنه يصعب التكهن بدرجات الارتجاع والتساقط، وهذه في الطبيعة ظاهرة فيها من المجهول أكثر من المعلوم، وهي كذلك في السياسة!!
رابعها: أن الكثافة الإنسانية في قلب شبه الجزيرة العربية تزداد بمعدلات لفتت نظر دارسين وخبراء، بينهم مَنْ رأى أنه في ظرف ما بين خمسة عشر إلى عشرين سنة – فإن تعداد "السعودية" سوف يصبح خمسين مليونا من البشر – و"اليمن" نفس القياس، أي أن كتلة سكانية من مائة مليون إنسان سوف تملأ سعة الجزيرة العربية وتفيض، وهذا الامتلاء مطلوب، لكنه شأن أي امتلاء له فعل إزاحة، ثم إن مطالب المستقبل لهذه الكتل الإنسانية المتضخمة في "السعودية" و"اليمن" قد تزيد كثيرا عن الموارد المتاحة – بصرف النظر عن حجم الفقر أو الغِنى – كما أن رياح التغيير، وضمنها وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة سوف تطرح مطالبات مُلِحَّة ومتصاعدة متشوقة إلى الحق والحرية!!
خامسها: أن النفط العربي على وشك أن يتنازل عن سطوته، ولا أقول أهميته، فهناك اكتشافات تبدو غزيرة في أفريقيا وآسيا وفي أعماق البحر والمحيط، كما أن هناك جهودا مكثفة يبذلها العلم والتكنولوچيا، ويعززها عالم صناعي لا يريد زيادة اعتماده على مصدر رئيسي للطاقة، وقد رأينا هذا العام بالتحديد أن الولايات المتحدة الأمريكية خفضت وارداتها من نفط الشرق الأوسط بنسبة 40%، اعتمادا على تكنولوچيا استخراج النفط من "الطَّفْل".
ومن المفيد تذكرة أنفسنا أحيانا بأن النفط سلعة إستراتيچية لا تختلف كثيرا عن سلع أخرى سبقتها عبر القرون، حتى وإن بدا لنا أن النفط مجال صراعات خفية تضفي عليه غموضا من نوع ما!!
وصحيح أن القرن العشرين يمكن اعتباره قرن النفط، إلا أن هناك قرونا سبقته أخذت توصيفها من سلع أخرى غيره!!
فالقرن الخامس عشر مثلا كان قرن التجارة بين الغرب والشرق، وكانت سلع الشرق وأهمها التوابل حافز الكشوفات الجغرافية الكبرى وقتها، وقد فتحت هذه الكشوف طريق "رأس الرجاء الصالح" إلى الهند حول أفريقيا، والأهم أنها وضعت أمريكا – شمالها وجنوبها – على خريطة المعمورة، وهذا أهم حدث في العالم ربما منذ بداية التاريخ!!
وكان القرن السادس عشر قرن الذهب والفضة من العالم الجديد، حتى لقد سُمي ذلك الزمن بأسره – بالذات في أسبانيا والبرتغال – بالقرن الذهبي.
وكان القرن السابع عشر هو قرن السكر والعبودية، فقد كان العبيد أهم لوازم قرن السكر وطاقته وعضلاته، وفي ذلك القرن فإن جزر "الكاريبي" كانت مركز الصراع العالمي الأكثر سخونة، ومصدر أكبر الثروات، والمدهش وحتى هذه اللحظة أن أفخم القصور في الريف الإنجليزي تظل حتى الآن شاهدا على أساطير الثروة من قرن السكر والعبودية!!
وتتنوع السلع و(توابعها) تعطي أوصافا للقرون من القطن (ومعه الغزل والنسيج) – إلى الحديد والفحم (ومعه السكك الحديدية) – إلى البترول (ومعه السيارة والطائرة والقمر الصناعي)، حتى جاء القرن الحادي والعشرين، ومن الواضح أمامنا أنه سيكون زمنا يتخطى بمنجزاته قرن النفط الذي سبقه، ومن ثم يضع الذهب الأسود في موقعه الطبيعي، صناعة ضمن الصناعات وسلعة ضمن السلع – مطلوبة بإلحاح وضرورية، لكن طلبها ليس مسألة حرب أو سلام!!
سادسها: أن أمامنا حركة ملحوظة على مسار الصراع الإمبراطوري العالمي، وبمقتضاها فإن بؤرة هذا الصراع تتجه بسرعة نحو أقصى الشرق الآسيوي.
وإذا قلنا – والقول صحيح – أن الإمبراطورية هي وطن واسع بالموارد، وقاعدة إنسانية متماسكة، وطاقة اقتصادية متفوقة، وإمكانية عسكرية متحققة، وخروج إلى الساحة العالمية حتمي – إذن فإن هناك بروزا إمبراطوريا لقوى عُظمى جديدة، ومع ظهورها فإن بؤرة السباق الإمبراطوري تمشي حاليا في اتجاه المحيط الهادي.
وفي التاريخ القريب فقد كان الأطلنطي – ومنذ اكتشاف "أمريكا" – هو بؤرة الصراعات الإمبراطورية.
ثم أصبحت "أوروبا" بؤرة للصراعات الإمبراطورية، من "نابليون" إلى "هتلر"!!
ثم ازدحم البحر الأبيض بالأساطيل تحوله إلى بؤرة للصراعات الإمبراطورية بعد ظهور الاتحاد السوڤيتي، وحتى انتهاء الحرب الباردة.
ولفترة من الفترات بعد الثورة الإسلامية في "إيران"، وحتى ما سُمي ب "الربيع العربي"، فقد تنقلت بؤرة الصراع الإمبراطوري في المنطقة ما بين البحر الأحمر ومنافذه، إلى الخليج العربي ومضايقه.
ثم يتبدَّى أمامنا أخيرا أن بؤرة الصراع الإمبراطوري تنتقل إلى الشرق البعيد حيث بدأ الظهور الضخم ل "الصين"، إلى جانب العودة المتجددة ل "اليابان"، بينما "الهند" تحاول اجتياز الامتحان.
ويلوح وكأن الزمن القادم سوف يكون على الأرجح آسيويا، بمقدار ما كان سابقه أمريكيا، والأسبق منه أوروبيا.
مع ملاحظة جديرة بالاهتمام هنا، مؤداها أن القوة الإمبراطورية لم تعد إرثا حصريا ينتقل بمواجهات السلاح الكبرى، وإنما هي الآن أقرب إلى سباق مفتوح بالتتابع، حتى وإن بدا السباق في بعض اللحظات تدافعا واحتكاكا – وربما أخطر!!
حضرات السيدات والسادة..
ليس هناك عقل رشيد يتصور الآن إمكانية حروب عالمية، ومع ذلك فإن التحسب لازم لأن هناك على الشرق من الخليج هذه اللحظة خمسة قوى نووية: فهناك الولايات المتحدة بحاملاتها وقواعدها، وهناك الصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية، وجميعها قوى نووية معلنة، ثم إن بعضها لديه خلافات كامنة كما هو الحال بين "باكستان" و"الهند" – و"الهند" و"الصين" – و"الصين" و"اليابان"، ثم إنه من ضمن هذه القوى طرف في "كوريا الشمالية" قد يدفعه تشديد الحصار حوله – إلى مجازفة غير محسوبة لكسره!!
يُضاف إلى ذلك أن هناك إمكانية نووية علمية – وإن تكن غير جاهزة عمليا على الفور لدى "اليابان" – مهما قيل لنا عن نفور الشعب الياباني من الأسلحة النووية، كما أن هناك احتمالات نووية كامنة في "كوريا الجنوبية"، وفي "أستراليا"!! أي أن هناك زحاما نوويا كثيفا على الشرق من الخليج.
فإذا تذكرنا أن غرب الخليج عليه مواقع نووية أخرى: في "إسرائيل"، وإلى حد ما في "إيران" – إذن فإن "تركيا" أغلب الظن لن تقبل لنفسها عُريا نوويا.
ومع علمنا جميعا أن الغطاء النووي لأي قوة ليس قابلا للاستعمال بسهولة، فعلينا الاعتراف بأن القدرة عليه أفضل ضمان للوقاية ضده نفسيا وعمليا – بصرف النظر عن أخلاقيا!!
وخشيتي أن الزمن القادم – وعلى الرغم من كل القيود والمحاذير – سوف يشهد انتشارا نوويا، حتى وإن لم يكن هدفه عسكريا، وقد نتذكر أن البلد الذي جئت إليكم منه (وهو مصر) كان يملك في أوائل الستينيات من القرن الماضي مشروعا للأبحاث النووية، ومشروعا لصناعة الصواريخ، وكان الهدف تحصيل علوم الذرة والفضاء، وليس السلاح ومدى وصوله – مع إدراك بأن العلوم مفاتيح يملك أصحابها أن يفتحوا بها الأبواب إلى حيث طلبهم وقدرتهم على ما يطلبون!!
حضرات السيدات والسادة..
إن ذلك يقودنا بالتداعي إلى أزمة عاجلة تحوم حول الخليج، وعواصفها الآن تتجمع وإن كان موعد هبوبها ينتظر، وأعني بذلك احتمال ما يمكن أن تصل إليه أزمة المشروع الإيراني النووي.
فهذا المشروع وفي ظرف مدة قد لا تتجاوز آخر هذا العام، واصل إلى نقطته الحرجة على جسر أزمة.
وهناك احتمالان لا ثالث لهما:
- إما أن يتمكن المشروع الإيراني من تحقيق وعده ويصل.
- وإما أن تستطيع إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية أن تنفذ وعيدها وتضرب.
وفي الحالتين: نجاح الوعد أو تنفيذ الوعيد، فإن كل حالة منهما لها آثار ولها نتائج سياسية وإستراتيچية.
ويلفت النظر أن بعض القوى السياسية في الخليج تبدو مطمئنة إلى أن ضربة الوعيد الإسرائيلي الأمريكي ضد "إيران" سوف تكون جراحة نظيفة تنزع شوكة قد تكون مسمومة!!
وتلك مبالغة في التفاؤل جامحة، ذلك أن عواقب الضربة – حتى وإن جرت جراحة بالمنظار – سوف تنشأ عنها مضاعفات لا تكفيها مضادات حيوية نعرفها أو نبحث عنها!!
ويستحق الاهتمام هنا أن إلحاح الولايات المتحدة على حصار وتغيير النظام في "إيران"، له علاقة وثيقة بصراع القرن الآسيوي، ذلك أن الهضبة الإيرانية هي المرتكز الإستراتيچي البري لأي تحرك نحو الشرق، فهذه الهضبة هي القاعدة الخلفية للسباق الإمبراطوري الجديد في الشرق الأقصى، وعقدة المواصلات إلى القوقاز والبلقان وروسيا حتى سهول أوكرانيا، وقلب أوروبا حتى سفوح جبال الألب، وكذلك إلى قلب الشرق الأوسط، وأيضا إلى الخليج بشواطئه وبحاره ومضايقه!!
سيادة العميد..
من الواضح أمامنا أن أوضاع الخط الافتراضي لشطآن الخليج تغيرت شرقا وغربا، كما اختلت توازناته، وعليه فهذا الخط الافتراضي – معرَّض لأن يتحول إلى خط احتكاك أمني وسياسي وإمبراطوري، وهنا يبرز سؤال المستقبل بالنسبة للخليج وأمنه!!
ونحفظ جميعا تعبيرا مأثورا منطوقه أن أهل مكة أدرى بشعابها، وهذا صحيح بشكل عام – ثم هو أكثر ملاءمة للأحوال الراهنة مع زيادة درجة الحساسية التي طالت العلاقات العربية – العربية، وكذلك الخليجية – الخليجية وحيث نحن الآن.
ففي مراحل سابقة كان أي عربي يملك فرصة الفتوى في أي شأن عربي بمقتضى قاموس فقه سياسي تجمع وتراكم عبر تجربة قومية حافلة، ومع أن مداخل ذلك القاموس وتعريفاته كانت في حاجة إلى مراجعات بالفرز والتدقيق، إلا أن التعرض لذلك القاموس العربي جاء بتمزيق صفحاته وبعثرتها، وكذلك لم تعد هناك مراجع معتمدة – فضلا عن مرجعيات لأي فتوى أو اجتهاد!!
ولسوء الحظ فإن المشروع السياسي العربي يبدو في هذه اللحظة أطلالا تلوح من بعيد "كباقي الوشم في ظاهر اليد"، على حد تعبير الشاعر الجاهلي القديم.
وكذلك فإن أهل الخليج، وهم الأدرى بشعاب "مكة" عليهم أن يسبقوا إلى الفحص والدرس والجواب على سؤال المستقبل، فإذا شاءوا أن يفتحوا باب الاجتهاد لغيرهم، فسوف يجدون معهم كثيرين، وفي كل الأحوال فإن توصيف عناصر أي مشكلة تظل خطوة مهمة في البحث عن حلها.
وفي النهاية فإن كفاءة وجسارة الفكر الإستراتيچي لأهل الخليج أمامها تحدٍ كبير، وإذا كان هناك ما يقوله لهم أي صديق فهو التذكير بأن أي تفكير في المستقبل – أي مستقبل – لا يمكن أن يجيء من خارج المكان والزمان، أي من خارج الجغرافيا والتاريخ!!
والمكان الذي أعنيه هو هذا الخط المتوهج بالأضواء على الشاطئ العربي للخليج وموقعه، وتركيبته الإنسانية والثقافية، ورؤاه لمستقبله!!
والزمان الذي أتحدث عنه ليس هو "الآن"، ولا الغد، وإنما ما بعد الغد وحقائقه وضروراته الحاكمة فوق الجميع!! شكرا لكم كريم صبركم!!".
الأخبار المتعلقة:
هيكل في محاضرة بالدوحة: الخليج مطمع قوى دولية وإقليمية.. والاستثمارات خير ضامن لأمنه
هيكل في محاضر بالدوحة: هناك زحام نووي حول الخليج العربي.. والمشروع الإيراني له نهايتان لا ثالث لهما
هيكل في محاضرة بالدوحة: الزمن القادم آسيوي.. وبؤرة الصراع الإمبراطوري انتقلت إلى شرق البحر الأحمر
هيكل في محاضرة بالدوحة: البترول الخليجي يفقد صفاته.. وشبه الجزيرة تنتظر 100 مليون نسمة خلال 10 أعوام
هيكل في محاضرة بالدوحة: الخليج مطمع قوى دولية وإقليمية.. والاستثمارات خير ضامن لأمنه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.