يخلو المكان من الزخارف المبهرجة، غارق فى البساطة، بساطة من النوع الأثير الجذاب، الذى يسحرك بمجرد أن تدخل للمكان، الدخول للمكان يجعلك جزءاً منه، من المبانى الصلدة، والأبواب الخشبية القديمة، والموجودين فى المكان الذين يتقاسمون الضحكات والطعام والعمل. تسير فى الأرض غير الممهدة، تتطلع من حولك، لوهلة لا تدرك أنك فى بيت منوط بالعبادة، لكن الروح التى تسرى فى المكان، والترانيم التى يشدو بها أحدهم من بعيد، والأيقونات الخاصة بالسيدة مريم والسيد المسيح، تشكل لوحة كنيسة مسطرد بشبرا.. من هنا مرت العائلة المقدسة. «من مصر دعوت ابنى»، «وفى ذلك اليوم يكون مذبح للرب وسط أرض مصر وعمود عند تخومها.. فيُعرف الرب فى مصر ويعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة». هكذا يقول الإنجيل، فما أن تعرضت العائلة المقدسة للاضطهاد، وطلب ملك اليهودية وقتذاك هيرودوس الأول الصبى يسوع لكى يهلكه، فقام يوسف النجار مربى المسيح، وانصرف والسيدة العذراء إلى مصر، حيث قضت العائلة المقدسة ما يقرب من عامين، كان لمسطرد نصيب الأسد منهما، حيث فى هذه الكنيسة اختبأت العائلة فى مغارة أسفل الأرض، وزودت المغارة ببئر كانت مصدر الارتواء والاستحمام للعائلة، لذا دعا المكان ب«المحمة» أى المكان الذى استحم فيه الطفل يسوع. ما زالت الكنيسة حتى اللحظة تتبرك بماء البئر إذ أوصلت به صنبوراً، يأتى إليه الناس من كل صوب وحدب، ليقبعوا فى المغارة قليلاً، ثم يشربوا الماء المباركة، فى المساحة الصغيرة للمغارة الباردة، يتوحد الفرد مع ربه، يناجيه بكل ما ينوء من أحمال، يشعل شمعة أو يتبرع بمال، يخرج بعدها بروح وثابة منطلقة للحياة، واثقة فى جزيل عطاء الخالق. يقول القمص عبدالمسيح بسيط أبوالخير كاهن الكنيسة، إن هذه المغارة بمثابة معجزة تاريخية، هنا رقدت «ستنا مريم»، وهنا حلت بركتها. يأتى لكاهن كنيسة مسطرد، أحد الأقباط الذين يعانون فى الحياة من ضيق ذات اليد، وقلة العمل، يمسد على رأسه، طالباً منه الذهاب إلى المغارة ومناجاة الله ببركة «العدرا»، لا يحب الكاهن أن يقول أحدهم بمشيئة «العدرا»، يؤكد أن السيدة العذراء تمنح البركة، وأن المشيئة بيد الله. لكنيسة مسطرد قيمة وتقديس كبيران عبر التاريخ القبطى الممتد، لدرجة أن الكنيسة ذاتها كانت تابعة للكرسى الأورشليمى حتى عام 1925، وكان الكثيرون من الذين يزورون القدس بفلسطين يكملون زيارتهم المقدسة بزيارة هذه الكنيسة لينالوا بركة هذا المكان المقدس. الكنيسة من الداخل صغيرة الحجم، تتراص فيها المقاعد الخشبية، حيث يجلس المصلون، وحيث يُقام القداس. رائحة البخور تعبق المكان، تضفى عليه سحراً مع الألوان الخافتة والستائر السميكة المزدانة بالأيقونات التاريخية ليعقوب الرسول وتداووس الرسول والعذراء وأنبا بطرس وأبسخريون القلينى. يتولى شأن الكنيسة من ناحية الترتيب، نشأت رفعت، ذلك القادم من أعماق ملوى، من مولده يعمل خادماً فى الكنائس، خدمة الرب أفضل من خدمة البشر، مع الله تفوز بالجنة وراحة البال، مع البشر تحصد المشقة وأموال تغرقك فى مادية الكون، بعيداً عن روح الله، هكذا يقول ذو الثلاثة وأربعين عاماً، الذى عمل صبياً فى دير البرشا بالمنيا، وحين شب هاجر للعاصمة، ليعمل خمس سنوات فى كنيسة البكرى، ومنذ 13 سنة، وهو فى كنيسة مسطرد، يصنع القرابين، وينشد الألحان كما يسمعها من المعلم «لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد» هكذا يقول نشأت بجلبابه ولكنته الواقعتين تحت أسر الصعيد. القمص عبدالمسيح يقول إنه وصل إلى الحالة التى صار يدافع فيها عن الإسلام بسبب شيوخ الفضائيات، يحكى أن مسيحياً جاءه يشكو له من فتوى لأحد الشيوخ يقول بأن توصيل المسيحيين لكنائسهم حرام شرعاً، فذكر له القمص الآية التى تقول «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات»، يضحك الشيخ من سخرية الحال، محذراً من انتشار الإلحاد بسبب التعصب، واصفاً الملحد بالخطر الأكبر على الدين المسيحى قبل الإسلامى. يقول إن منطقة مسطرد يتعانق فيها الهلال مع الصليب عملياً، وليس تعانقاً إعلامياً، حيث يلتصق بالكنيسة مسجد كبير، ويعتبر أهالى المنطقة القمص أحد كبار المنطقة، حيث يقصدونه فى كل مشكلة تحل بهم.