قبل حرب 1948، لم يكن العرب يريدون سوى التخلص من العصابات الصهيونية التى استوطنت فلسطين وتحولت إلى ميليشيات عسكرية نظامية، وبعد حرب 1967، تراجع الطموح العربى إلى المطالبة بالعودة إلى حدود ما قبل الحرب، ورسخت حرب 1973 الحدود التى كانت تريدها إسرائيل، وطوال الأربعين عاماً الماضية، تفننت إسرائيل فى التقدم التكتيكى على الأرض دون حرب، حتى تآكلت فلسطين بالاستيطان، لكن الدولة العبرية ظلت رغم كل ذلك عاجزة بالشعور بالأمان، فيما العرب يطالبون طوال الوقت بمجرد وقف الاستيطان والاعتراف العالمى بدولة فاشلة مقطعة الأوصال بين رام الله وغزة. قبل 25 يناير 2011، كان المصريون يحلمون بالعودة إلى حريات العهد الملكى، ورفاهية دولة الستينيات، وبعد مرور عامين على أحداث ما يسمى تجاوزاً «ثورة»، أصبح المطلب الأساسى للناس هو مجرد الشعور بالأمان، وانقسم الشعب إلى طوائف: أغلبية هائمة على وجهها لا يعنيها ما يجرى، وأقلية ليبرالية خارت قواها جراء عامين من الغضب المتواصل الذى لا يفضى إلى شىء، وأقلية قبطية قررت أن تحل أزمتها بالهروب من الجحيم، وأقلية تكفيرية متطرفة تجلس على عرش الحكم، لتنفذ لإسرائيل ما تحلم به منذ 65 سنة، حلم الشعور بالأمان. إسرائيل صارت آمنة.. جيرانها المخيفون القدامى تخلصت منهم أمريكا واحداً تلو الآخر: كانت البداية بالعراق التى استغرق تجريب السيناريو فيها 11 سنة كاملة، حتى وصلت إلى دولة الفوضى والطائفية، ومصر الدولة التى كانت حبيسة فى سجون مبارك يتناوب رجاله اغتصابها سراً، تم إطلاق سراحها من سجنها وأخرجها المحررون إلى الشارع ليغتصبها إخوان وسلفيون علناً، أما مصر الشعب فقد أطلق لها العنان: أهلاً بكم فى دولة الفوضى والفتنة والخراب. أما سوريا فقد خربت وسويت بالأرض. الآن صارت إسرائيل آمنة، مصر خربة والعراق خربة وسوريا خربة، وتركيا حليفة لإسرائيل والأردن حليفة لإسرائيل والسعودية حليفة لإسرائيل، ولبنان غارقة فى حربها الأهلية الكامنة تحت الرماد. الآن صارت إسرائيل آمنة، ففى مصر نظام حكم لا يهش ولا ينش ولا يمثل أى تهديد، نظام ضرب أوصال الدولة وفككها وأضعفها، وأغرق الناس فى الطوابير وفى البنزين والسولار وأسعار الدجاج وأزمة المرور وميليشيات البلطجية. هكذا صارت إسرائيل آمنة، مبروك يا مرسى يا بديع يا خيرت يا عزت يا مكى يا نتنياهو يا حمد. مبروك يا سيد أوباما.. تخربون الوطن الذى علم الدنيا كيف يكون الحب والحق والخير والجمال.. تخربون كل هذا من أجل راحة إسرائيل.