مع كل الاحترام والتقدير لكل الزملاء العاملين فى ماسبيرو، ومع عدم المساس بحقوقهم المادية، ماذا لو أغلقت الحكومة قنواتها التليفزيونية والإذاعية؟ السؤال الافتراضى لا بد من التفكير فيه، لأننى أظن -وليس كل الظن إثم- أن حياة المصريين لن تتأثر بإغلاق ماسبيرو، كما أن حرية الإعلام لن تخسر كثيراً إذا ما صمت ضجيج ماسبيرو وتوقف نزيف الخسائر السنوية التى يدفعها المواطن، ورفعت ديونه إلى ما يقرب من 20 مليار جنيه. دعوتى للتفكير فى سيناريو إغلاق ماسبيرو تعتمد على فرضية بسيطة هى أن معظم المصريين لا يشاهدون القنوات التليفزيونية الحكومية، ولا يستمعون للإذاعات إلا وهم فى وسائل النقل، فقد استحوذت القنوات الخاصة المحلية والقنوات الخليجية والإذاعات الأجنبية على عقل ووجدان المشاهد والمستمع، نتيجة ضياع مصداقية الإعلام المصرى وضعف المضامين وأساليب العرض والتقديم، علاوة على الاعتماد على تكنولوجيا وصور وتقنيات قديمة، وأدى ذلك كله إلى تراجع الدخل من الإعلان الذى ذهب فى معظمه إلى القنوات الخاصة والعربية، وأصبح ماسبيرو لا يبث سوى إعلانات الحكومة، أى أن الحكومة تعلن عند الحكومة!! وبالتالى تضخمت الخسائر، ففى العام الماضى بلغت خسائر اتحاد الإذاعة والتليفزيون 3.3 مليار جنيه، وكان إجمالى الموازنة 8.9 مليار خصص منها 1.5 تقريباً للأجور، ما يعنى أن الأجور لا تلتهم كما يقال ميزانية الاتحاد. المهم الآن وقف نزيف الخسائر، وفى الوقت ذاته الحفاظ على حقوق العاملين فى ماسبيرو، لأن معظمهم على درجة عالية من الكفاءة المهنية، لكن منظومة العمل البيروقراطية وتدخلات الوزير الإخوانى تحول دون حريتهم فى التجديد والإبداع وتدفعهم إلى الهرب من ماسبيرو أو التكيف السلبى وأحياناً المقاومة النشطة، ولاشك أن ردود الأفعال الثلاثة لا تنتج مضامين إعلامية جذابة أو شاشات قادرة على المقاومة، وإنما تبقى فقط على كيان بيروقراطى عملاق، تتضخم خسائره ومشاكله ويتراجع تأثيره محلياً وعربياً. وإغلاق ماسبيرو له فى الحقيقة مميزات أخرى كثيرة أهمها أن مصر ستتحرر ولأول مرة من الإعلام الحكومى الذى يتبع السلطة والسلطان ويزيف وعى الناس ويروج لإنجازات وهمية للرئيس وجماعته وحكومته، طبعاً هذه ميزة مهمة من وجهة نظر المواطنين ولكنها كارثة بالنسبة للحكم الجديد الذى يراهن على توظيف المنظومة الإعلامية لصالحه. لكن فى المقابل إذا أغلقنا ماسبيرو، فسيقع المواطن فريسة للإعلام الخاص والأجنبى بكل إيجابياته وسلبياته، كما أن هناك إشكالية خاصة بجيش العاملين فى ماسبيرو، الذى من الضرورى أن نحافظ على رواتبهم، حتى لو لم يعملوا فى إنتاج أو تقديم أى برامج، لكن زملاءنا من العاملين فى ماسبيرو لا يبحثون فقط عن راتب شهرى بل عن فرصة للعمل والإبداع والتحقق المهنى، من هنا أرى أن البديل المتاح والعملى هو أولاً: إلغاء ماسبيرو جزئياًَ، من خلال إعادة هيكلة شاملة قد تتضمن ضم قنوات وإدارات، وتقليل الإنتاج البرامجى وفترات البث، وفق معايير جديدة تعتمد الكيف لا الكم، وترتقى بالمضامين المقدمة وأساليب التقديم والإخراج. ثانياً: السعى نحو تحويل ماسبيرو إلى خدمة عامة يعبر عن كل أبناء الوطن على غرار التليفزيون الألمانى وهيئة البى بى سى. وقناعتى الشخصية أنه لا مستقبل لماسبيرو من دون إعادة هيكلة واستقلال تام عن الحكومة، أى حكومة، وبالتالى فإن التحايل على هذه الصيغة يقود مباشرة إلى إغلاقه، لأنه لن يستطيع أن ينافس أو يؤثر، وسيتحول إلى أداة دعائية فاشلة للحكومة لا يشاهدها أو يستمع إليها أحد، وستتضخم خسائره وفضائحه.