هذا عنوان الديوان الأخير للشاعر على عطا، الذى صدر عن الهيئة المصرية للعامة للكتاب مؤخراً، بلوحة غلاف للمبدع أحمد اللباد، وهو عنوان دال، بل يمكن أن يكون مفتاحاً لقراءة الديوان بأكمله، الذى حافظ فيه الشاعر على إيقاعه وطريقته ومسلكه، بل وعالمه الذى حواه ديواناه السابقان «على سبيل التمويه» و«ظهرها إلى الحائط». ولعل إهداء الشاعر ديوانه هذا إلى الروائى الكبير الراحل الأستاذ إبراهيم أصلان لا يخلو من معنى؛ فهما لم يتزاملا ويتجاورا ويتحاورا سنين فى رحاب «صاحبة الجلالة» فقط، بل أجد تأثيرا إيجابيا ل«أصلان» على الشاعر فى التقاط الصور الهامشية وتقديمها ببساطة آسرة وإيقاع هادئ. وقد تنبه لهذا الشاعر الأستاذ يوسف شعبان فى تقديمه للديوان حين كتب يقول: «إهداء الشاعر ديوانه ل(أصلان) اختصر لنا الوقت الذى قد نبذله فى اكتشاف جوهر التجربة». ولا يكتفى «عطا»، فى قصائده، بالشاعرية الداخلية والموسيقى الهادئة التى تحويها مقطوعاتها، إنما أيضا يعتمد أحيانا على «المفارقة» و«النهايات المدهشة» مثل ما جاء فى قصيدة «خلاص» التى تقول: «مرهقان/ مع أننا لم نقطع/ ولو مجرد خطوة/ نحو ما نعتقد أنه فيه خلاصنا/ ويدى/ ملوثة بدمك/ الذى لم ينزف بعدُ». ينقسم الديوان إلى قسمين، الأول تحت لافتة رائقة تقول: «أرنو بعينين دامعتين.. أشدو بصوت حزين» والثانى تحت لافتة أخرى متعجلة تقول: «تدفقى.. فليس هذا أوان حبس الماء»، وبين دفتيهما تأتى قصائد متفاوتة من حيث الطول والقصر تأخذ عناوين أشبه بظلال لعنوان الديوان؛ إذ تذهب له شارحة أو معززة، بطريقة مباشرة ومن دون مواربة، مثل «فيما المخالب مستكينة فى غمدها» و«هل قالت حبيبى؟» و«فيما الحراس نائمون» و«صيد ثمين» و«كأن نكون معا» و«تكرهيننى الآن» و«حتما ستبرد» و«لكنها لم تفعل»، دون أن يخلو الديوان من عناوين أخرى دالة على اليأس والإحباط من قبيل «خارج نطاق الخدمة» و«اكتئاب» و«ملل» و«مشهد أخير» و«بعد موتى». وفى الحقيقة فإن عالم على عطا يتوزع دوماً ما بين البحث عن العشق و«الخوف من الموت» أو انتظاره، وبينهما مشاهد متناثرة لفتى يروض قسوة الحياة ويصطاد بعض مباهجها الصغيرة، سواء فى الواقع المعيش أو فى العالم الافتراضى على الشبكة العنكبوتية. ومفتاح العشق هنا تحويه قصيدة «مرسوم بدقة»؛ حيث تقول فتاة لفتى: «أنت شخص وجدانى» فيرد عليها: «أنا شخص حسى».. فبين روح الحب ولذته يتردد «عطا» دوماً ليصطاد بعض قصائده وبعض فرائسه، سابحا طوال الوقت خلف «المرأة الحلم» التى تُشبع الروح والجسد معاً. أما مفتاح الخوف من المجهول والأسى على ما يضيع فيحمله النصف الثانى من الإهداء، الذى يقول: «وإليك.. فقد تكتب لى الحياة على يديك، وأنا على أعتاب الخمسين.. أنا الميت منذ مولدى». ويطلق الشاعر على الموت «الزائر السخيف»، ويتعجب ممن يتصرفون وكأنهم باقون إلى الأبد: «ثم رحت فجأة أتعجب/ من أولئك الذين لا يمهدون لموتهم/ فهم مثلا لا يقولون لأصدقائهم بوضوح/ إنهم بانتظار ذلك الزائر السخيف/ ويتصرفون وكأنهم ليسوا على وشك الغياب». ويتكرر الأمر فى قصيدة أخرى تقول: «يكفى أنك قد تشعر فجأة/ بأنك لست على ما يرام/ لتدرك على الفور/ أن الموت ربما لن يمهلك/ لتمد يدك إلى كوب الماء القريب جدا». أما الانخراط فى الواقع فيدل عليه دوما فى القصائد ذكر الأماكن التى يرتادها الكاتب، وشرح حالاته النفسية المتقلبة بين بهجة عابرة وحزن مقيم. وظنى أن الشاعر فى حاجة ماسة فى دواوينه المقبلة إلى توسيع عالمه ليلتقط من الحياة صورا جديدة ويعرف لها وجوها أخرى، هى ماثلة أمامه فى دنيا الواقع ويعيش تفاصيلها بالقطع فى تجربته الحياتية، وعليه فقط أن يمد يده، أو يمد قريحته وذائقته وقلمه، ويلتقطها فى رواية.