دقات الساعة تشير إلى الواحدة والنصف ظهرا، صوت صافرة شركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار، فى البحيرة، يدوى فى أرجاء المكان، يُنبه العمال إلى اقتراب موعد «الوردية» الثانية، «حى على العمل» نداء يستجيب له عدد قليل من العمال. أتوبيسات خضراء اللون انتهى عمرها الافتراضى تحاول دخول بوابة الشركة العتيقة، إلى جوارها يقف أفراد أمن يبدو على وجوههم الملل. جزيرة صغيرة من الأشجار تتوسط مدخل الشركة الفسيح، وبرج الشركة الشهير يرفع اسم مصر عالياً، ومن فوقه يرفرف العلم المصرى. داخل مبنى الإدارة يقف تمثال طلعت حرب باشا، صامدا، لم ينل منه الزمن، كما نال من شركته العريقة التى تحولت إلى خرابة كبيرة فشل فى إنقاذها نظام حالى يدعى أنه جاء لتحقيق «النهضة»، و«يحمل الخير لمصر». أنشئت شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار عام 1938، بتمويل من بنك مصر وإشراف طلعت حرب باشا، رائد الاقتصاد المصرى، على مساحة 400 فدان من الأراضى «البور» شرق مدينة كفر الدوار، وتألفت الشركة من 4 وحدات ضخمة تعمل على مدار 24 ساعة يوميا. فجرى إنشاء الوحدة الأولى لإنتاج غزل وأقمشة وبدأ إنتاجها فى مارس 1940، وتضم أكثر من 47 ألف مغزل و1278 نولاً. أما إنتاج الوحدة الثانية فبدأ فى مارس 1946، وهى مخصصة لإنتاج البولينات والأقمشة المقلمة. كما بدأ إنتاج الوحدة الثالثة فى بداية عام 1957 لإنتاج الفوالات الراقية والأقمشة المقلمة. كذلك بدأ تشغيل الوحدة الرابعة عام 1982 وبعدها جرى إنشاء وحدات الغزل المفتوح وخيوط الحياكة. ثم ضمت إليها شركة المحمودية وكوم حمادة التى انفصلت عنها لاحقا. لكن شركة صباغة البيضا مدمجة مع الشركة الآن وتعانى من نفس المشكلات وتراكم الديون. الوحدة الرابعة أقرب مصنع لبوابة الشركة الرئيسية، وهى أحدث وحدة لإنتاج الغزل فى الشركة، جدرانها عملاقة ومحيطها متسع بدأ تشغيلها عام 1982، لإنتاج وغزل أقمشة (من نمرة 50 إلى 120 إنجليزى). ويضم المصنع 84240 مغزلا و1184 نولا بعروض مختلفة، وبجوار باب الوحدة المطل على مدخل الشركة، توجد غرفة مظلمة مليئة بقطع غيار حديدية جرى «تكهينها» منذ شهور. طرقة الوحدة متسعة، لكن حركة العمال بها ضعيفة جدا، وصوت الماكينات يرتفع كلما تقدم السير ناحية الصالة الكبرى. ورغم ارتفاع الصوت فإن عدد الماكينات التى تعمل حاليا محدود جدا. صالة الوحدة الرابعة شديدة الاتساع ومضاءة عن آخرها. ورغم عمر الآلات بها التى يزيد على 30 عاما الآن فإنها من أحدث معدات الشركة. أحد العاملين بالمصنع، رفض ذكر اسمه، يشكو من عدم توافر المواد الخام وتقادم الماكينات ونقص قطع غيارها، ويقول «إحنا بنيجى ننام هنا واللى عارف حد على البوابة من الأمن بيزوغ، والقطن اللى بنستورده من السودان واليونان بيتقطع، وبيهدر كتير، وبيتعب مكن الشركة اللى عمر أغلبه من 1938». قبل عقود غزت منتجات شركة كفر الدوار معظم دول العالم، وساهمت فى خدمة الاقتصاد المصرى وقت الحروب، وكانت تستوعب 32 ألف عامل فى السبعينات، ثم 28 ألف عامل فى الثمانينات، لكن عدد العمال حاليا 8 آلاف عامل، أغلبهم فى أقسام الخدمات، كما يروى شعبان البغدادى رئيس اللجنة النقابية بشركة كفر الدوار، ويقول «تمتلك الشركة كل المرافق الرئيسية، هناك عجز فى العمالة المنتجة مقابل زيادة فى أعداد أقسام الخدمات، مصانع الشركة الأربعة غير مستغلة الآن، إضافة إلى تعطل ورشة الشركة الميكانيكية ومسبك الحديد الإلكترونى، وهى التى كانت تُصنع للشركة ولصالح الغير، نظير مقابل مادى مجزٍ، كان يصنع بها قطع غيار وتروس الماكينات بل كانت تُصنع «شاسيهات» السيارات وأعمدة الإنارة». يتنهد رئيس اللجنة النقابية، ويصمت قليلا ثم يكمل منفعلا: «طلبنا من الحكومة تقديم 300 مليون جنيه لإنقاذ الشركة من الإغلاق، وهذا المبلغ سيساعدنا على شراء أقطان وأنوال نسيج وذلك من أجل أن تعمل الشركة بنسبة 80% من طاقتها، أما إذا تم دعمها بمبلغ 500 مليون جنيه سيتم تشغيل الشركة بكامل طاقتها، وهو ما سيتيح 5 آلاف فرصة عمل جديدة. 20% من آلات الشركة معطلة، وجرى تحديث صالتى نسيج «سولزر وأرجيت» لكن أنوال النسيج هذه غير مطلوبة فى السوق المحلى والخارجى، ونحتاج على وجه السرعة 200 نول «تخين» إضافة إلى احتياج الشركة إلى 5 ماكينات برم للتكشيط لتلافى عيوب الإنتاج. ويضيف «البغدادى»: نطلب من الحكومة تغيير سياسة زراعة القطن لتتيح إنتاج القطن قصير التيلة، لأنه غزير الإنتاج، وسعر خام القطن المصرى طويل التيلة مرتفع ويبلغ 1500 جنيه للقنطار، ونضطر لشراء أقطان من اليونان والسودان وهى رديئة جدا، ومع ذلك فإن تكلفة إنتاج المنسوجات مرتفع لا يستطيع المنافسة مع المنتجات المستوردة من الخارج، بسبب مضاعفة الأجور وزيادة أسعار الكهرباء والغاز الطبيعى. ويتابع: «نعانى من 3 مشاكل حاليا؛ التهريب فى الجمارك والإغراق، حيث اتخذت حكومة أحمد نظيف قرارا بخفض الجمارك بالنسبة لرجال الأعمال، حيث رفعت نسبة الاتجار وتصنيع الهالك حتى نسبة 35% مع أنها لم تزد على 10% قبل ذلك، إضافة إلى الإعفاء الجمركى وتخفيض الضرائب وإغراق السوق المحلى». ويشير محمد الزغبى عضو اللجنة النقابية إلى إمكانية خروج الشركة من عثرتها دون إثقال الدولة بمزيد من الهموم عن طريق بيع فيلات الشركة التى يقطن بها رؤساء قطاعات سابقون، وشراء شقق سكنية بديلة بأماكن أخرى حيث يزيد عددها على 15 فيلا، ثمن الواحدة منها يزيد على 15 مليون جنيه، ثانيا يجب أن تعرض الشركة الوحدات السكنية الخاصة بها للتمليك التى يسكن بها قدامى العاملين بالشركة، على اعتبار أنها استراحات يقيمون بها بحق الانتفاع، وعدد هذه الوحدات يبلغ 3 آلاف وحدة سكنية. ويتابع «الزغبى»: «حسب تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، يوجد بالشركة ما لا يقل عن 27 ألف متر فضاء لم تستغل بعد، والشركة فى أمس الحاجة لاستغلالها أو بيعها لبدء برنامج تطوير وتحديث الشركة سعر المتر فى هذه المنطقة حوالى 10 آلاف جنيه للمتر، كل هذه المقومات كفيلة بإنعاش الشركة وإنقاذها بل وتشغيلها بكامل طاقتها خلال 3 شهور فقط، وعرضنا هذه الأفكار على رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل لكنه لم يرد. ويقول شوقى سليمان مدير إدارى بالشركة، عضو اللجنة النقابية: «تعرضت الشركة لمخطط منظم لإهدار المال العام، عندما تم بيع 150 فدانا من أراضيها مقسمة على 5 قطع من أراضى الشركة لبعض المستثمرين فى عام 2007، تحت إشراف وزير الاستثمار الأسبق محمود محيى الدين مهندس مشروع التخلص من الشركات الحكومية. أحمد الصاوى رئيس القطاع المالى بالشركة يقول: «أعباء الشركة الشهرية حوالى 40 مليون جنيه شاملة المرتبات ومستلزمات الإنتاج والضرائب والتأمين، بينما يجرى بيع الإنتاج بحوالى 16 مليون جنيه من الممكن أن تزيد إلى 20 مليونا ببيع مخزون، وهذا ببساطة يعنى أن العجز المالى يبلغ 20 مليون جنيه شهريا، نحصل من الشركة القابضة للغزل والنسيج على 5 ملايين جنيه فقط، مع أننا كنا نحصل على 7 ملايين جنيه قبل شهور». «الوطن» التقت المحاسب عادل عبيد، رئيس الشركة الجديد خلال جولته الميدانية بالنادى الرياضى، ورفض الإدلاء بأى تصريحات تخص وضع الشركة المنهار، بحجة أن مدينة كفر الدوار مليئة بالتيارات السياسية وأن الوضع الحالى يحتاج تهدئة لبحث جميع المشكلات، ورفض رئيس الشركة السماح ل«الوطن» بدخول مصانع الشركة والتصوير بها وقال «دى تعليمات رئيس الشركة القابضة» وذلك بالرغم من أنه سمح لقناة (مصر 25) التابعة لتنظيم الإخوان وقناة «الجزيرة مباشر مصر»، بدخول الشركة منذ أيام، حسب تعليق شوقى سليمان المدير الإدارى بالشركة. أخبار متعلقة: «زقزوق».. شاهد على التحول من «العصر الذهبى» إلى «عصر الصفيح»