يبدو أن حكام مصر جميعاً ما زالوا متأثرين بفكرة «علبة المسامير القديمة»، وهى تلك العلبة الصدئة التى تستخدم للاحتفاظ بالمسامير القديمة لحين الاحتياج إليها فى إصلاح ضلفة شباك أو مفصلة باب أو رجل كرسى أو جانب صندوق الطاولة، أو تعليق صورة «جدو» على الحائط، تكريماً لجدو وإخفاءً لتساقط «البياض» نتيجة لرشح الحمام. لم تنجح الثورة فى القضاء على ثقافة «علبة المسامير القديمة»، على الرغم من كل التضحيات التى قدمها المصريون بحثاً عن التغيير!! يصر الحكام على استخدام المسامير القديمة، على الرغم مما بها من اعوجاج ظاهر، نتيجة لعملية «استعدالها» بالطَّرق عليها على بلاطة قديمة أو «درابزين» السلم المعدنى.. يصرون عليها متجاهلين الصدأ الذى اعتلاها، بل واخترقها فى كثير من الأحيان! مستخدمو المسامير القديمة يفعلون ذلك من منطلق «الشاطرة تغزل برجل حمار»، وهو منطق غير مقبول إلا لمواجهة ظروف خاصة ولمدة زمنية محدودة، فلا أظن هذه الحكمة إلا اختصاراً للنص الأصلى: «الشاطرة تغزل برجل حمار، حتى يصلحوا لها نول الغزل»، أما أن نظل متمسكين بالبحث فى علبة المسامير العتيقة، فهذا -بلا شك- لن يؤدى بنا إلى أى تقدم أو ازدهار. نعم، أتحدث عن اختيار كبار المسئولين من أعضاء الحكومة والمحافظين ورؤساء الهيئات والمجالس والمؤسسات وغيرها من المواقع التى يعلق الشعب آماله الطموحة والمتواضعة عليها. أتساءل بصدق: لماذا نصر على البحث داخل الصندوق القديم؟ ألم يحن الوقت لنستفيد من المسامير القوية اللامعة، المسامير المعتدلة التى لم يسبق الدق على رؤوسها ولا سحلها بالكماشة أو ظهر الشاكوش؟ أتمنى أن تتغير ثقافة متخذى القرار فى مصر، ويبحثوا خارج الصندوق، لعلهم يكتشفون أن طاقة الصندوق محدودة بحجمه، أما طاقة مصر فلا يحدها إلا طموحات وأحلام وآمال أبنائها، وكلها منطقية ومشروعة، ولا تحتاج إلا إلى جهد واعٍ وعمل جاد وخاضع للرقابة. أدعو إلى انتهاز فرصة أى تغيير فى المناصب القيادية للاستعانة بالشباب تمشياً مع الاتجاه العالمى، والذى ثبت نجاحه الكبير فى كافة الأنحاء. حقًّا.. لا أحد أصغر مما يجب، إذا كان قد عاش فى بيئة منفتحة؛ سمحت بوصول مختلف موارد الفكر والمعرفة إليه، وسعى هو بنفسه لحسن استقبال التراكم الثقافى الإنسانى الذى يتجاوز عمره آلاف السنين، وتناقلته الأجيال منذ بدأ تسجيل التاريخ والأحداث والاختراعات على الجدران والجلود والعظام والزجاج والخشب، ثم ظهر الورق والطباعة، من بعدها علوم تسجيل الصوت والصورة التى ما زالت فى حالة تطور لا يتوقف. لا أحد أصغر مما يجب لتحمل المسئوليات والتعبير عن إرادة الجماهير.. لا بد لنا -بعد الثورة- أن نستفيد من طاقات الشباب التى لم تفرغ شحنتها كسكان علبة المسامير القديمة، واسمحوا لى باستراحة صغيرة أذكركم فيها بنكتة عبَّر بها المصريون ذات يوم عن كراهيتهم الفائقة للممارسات المستبدة التى ارتبطت فى ذاكرتهم بأمن الدولة.. تقول النكتة: بلغ أحد كبار الجهاز سن المعاش، وأصابه الملل الشديد من البقاء فى المنزل محروماً من السطوة والقوة والبطش الذى اعتاده.. شاهد مسماراً قديماً فى أحد أركان الغرفة، فناداه بطبقة صوته الجهورية المخيفة: «تعالى هنا».. لم يحضر.. كرر النداء.. لم يحضر.. نظر حوله، فوجد علبة المسامير القديمة، فتناول «كبشة» منها، وألقى بها فى اتجاه المسمار المختبئ فى الركن، وقال: «هاتوووه»!