رفض المستشار مصطفى حسن عبدالله، رئيس محكمة جنايات القاهرة، نظر قضية القرن، التى تعاد فيها محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك، ونجليه علاء وجمال، ووزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلى، و6 من كبار مساعديه، بعد أن قرر التنحى عن نظر القضية، وأحالها لمحكمة الاستئناف لتحديد دائرة أخرى تنظر أوراقها، ليعيد القضية إلى المربع صفر مرة ثالثة. وقبيل بدء الجلسة، أدخل الأمن الرئيس السابق حسنى مبارك على كرسى متحرك طبى، وبدا مرتدياً ملابس بيضاء ونظارة شمسية، بينما دخل حبيب العادلى ومساعده اللواء حسن عبدالرحمن، بملابس السجن الزرقاء، نظراً لحبسهما على ذمة قضايا أخرى، بينما دخل مساعدو العادلى الخمسة الآخرون بملابس مدنية وجلس العادلى وإلى يساره اللواء أحمد رمزى وإلى يمينه اللواء عدلى فايد، وخلفه جلس اللواءات أسامة المراسى، وعمر الفرماوى، وحسن عبدالرحمن وإسماعيل الشاعر، بينما جلس علاء مبارك أمام الكرسى المتحرك الذى يجلس عليه والده، ووقف جمال إلى يمين الرئيس السابق، وكلاهما يرتدى ملابس الحبس الاحتياطى البيضاء. وفور دخول المتهمين، قام عدد من المحامين المتطوعين بالدفاع عن الرئيس السابق، بالوقوف أعلى المقاعد، وهتفوا باسمه «بنحبك ياريس»، وأشاروا له بعلامات النصر بأيديهم، فرد عليهم مبارك التحية بيده وأشار لهم بيمينه بإشارته المعتادة، ووضع يده اليسرى على وجهه، فصفقوا له، ورددوا اسمه عدة مرات، قائلين «آسفين ياريس»، و«بنحبك يا مبارك»، فأشار لهم مرة أخرى مبتسماً. وفى جلسة لم تستغرق سوى ثلاث دقائق على الأكثر، خرج المستشار مصطفى حسن عبدالله وهيئة المحكمة من غرفة المداولة واعتلى منصة المحكمة، ليعلن القرار بالتنحى عن نظر القضية، إلا أن أحد المحامين ويدعى سمير الكردى، عاجله بصيحات وصرخات يعلن فيها أنه من مصابى الثورة، وأنه مدعٍ بالحق المدنى فى القضية ويطالب برد هيئة المحكمة عن نظرها، وقال إنه يطلب ذلك لتكوين المحكمة عقيدة مسبقة حول أحداث الثورة بعد أن أصدر حكماً فى وقت سابق فى قضية «موقعة الجمل»، ببراءة جميع المتهمين، وتبعه عدد من المحامين، الذين رددوا «مش هنسيب حقنا وحق الشهداء مهما كان ولو حتى هنموت زيهم». وطلب القاضى من الحضور الالتزام بالهدوء، وقال للمحامين المدعين بالحق المدنى «استنوا اسمعوا القرار الأول من فضلكم»، ووجه حديثه للمحامين «اقعد لو سمحت انت وهو من فضلكم واسمعوا القرار الأول»، ثم قال «بسم الله الرحمن الرحيم، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِله وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيرا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً»، صدق الله العظيم. وتابع: «فتحت الجلسة.. قررت المحكمة إرسال الجنايتين إلى محكمة استئناف القاهرة لتحديد دائرة أخرى لنظرهما، وذلك لاستشعار رئيس المحكمة الحرج من نظرهما.. رُفعت الجلسة»، وبعدها انصرف وأعضاء النيابة من على المنصة، ثم سادت القاعة حالة من الفوضى بعد أن ردد المحامون المدعون بالحق المدنى عدة هتافات من بينها «الله أكبر.. الشعب يريد إعدام المخلوع»، فرد عليهم الجانب الآخر المؤيد للرئيس السابق ومن بينهم محامون متطوعون للدفاع عنه بهتافات «يسقط يسقط حكم المرشد.. وبراءة براءة». ووقعت مشادات كلامية بين الطرفين فى الأثناء التى سارع الأمن فيها بإخراج المتهمين من قفص الاتهام، وبدا مبارك غير مبالٍ بقرار المحكمة ولم تظهر عليه أية علامات أو رد فعل، فى حين همس إليه جمال فى أذنه بمضمون قرار المحكمة، ثم قام بالإمساك بالكرسى المتحرك الطبى الذى يجلس عليه بمساعدة الحراسة المكلفة بتأمينه وأخرجوه من القفص فى حين ظل علاء يتحدث إلى بعض المحامين من خلال قفص الاتهام، وتطورت المشادات الكلامية بين المحامين إلى اشتباكات بالأيدى حيث تدخل الأمن لفض الاشتباك بين الطرفين، واستعان بأفراد الأمن المركزى الذين ارتدوا الزى المدنى للفصل بينهما، وأقنعت قيادات الأمن المحامين بالانصراف من القاعة وعدم اللجوء للرد على الطرف الآخر، وأخلوا القاعة كاملة من الحضور. وأحال النائب العام السابق، المستشار عبدالمجيد محمود، الرئيس السابق حسنى مبارك ونجليه جمال وعلاء واللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، ومساعديه الستة، عدلى فايد وحسن عبدالرحمن وإسماعيل الشاعر وأحمد رمزى وعمر الفرماوى وأسامة المراسى، إلى محكمة الجنايات، كما شمل قرار الإحالة للمحاكمة رجل الأعمال الهارب حسين سالم. ونسبت النيابة العامة للمتهمين جرائم القتل العمد والشروع فى القتل لبعض المشاركين فى التظاهرات السلمية فى ثورة 25 يناير، واستغلال النفوذ، والإضرار العمدى بأموال الدولة والحصول على منافع وأرباح مالية لهم ولغيرهم بدون وجه حق. وتضمن قرار الإحالة قيام الرئيس السابق حسنى مبارك بالاشتراك بطريق الاتفاق مع وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى ومساعديه فى ارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجرائم القتل والشروع فى قتل بعض المشاركين فى التظاهرات السلمية بمختلف محافظات الجمهورية التى بدأت اعتباراً من 25 يناير، احتجاجاً على تردى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بالبلاد، والمطالبة بإصلاحها عن طريق تنحيته عن رئاسة الدولة، وإسقاط نظامه المتسبب فى تردى هذه الأوضاع وتعبيراً عن المطالبة بتغيير نظام الحكم فيها، وذلك بتحريض بعض ضباط وأفراد الشرطة على إطلاق الأعيرة النارية من أسلحتهم على المجنى عليهم ودهسهم بالمركبات لقتل بعضهم، ترويعاً للباقين وحملهم على التفرق وإثنائهم عن مطالبهم وحماية قبضته واستمراره فى الحكم، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من بين المتظاهرين. وأضاف قرار الإحالة أن مبارك بصفته رئيساً للجمهورية قبل وأخذ لنفسه ولنجليه علاء وجمال مبارك عطايا ومنافع عبارة عن قصر على مساحة كبيرة و4 فيللات وملحقاتها بمدينة شرم الشيخ تصل قيمتها إلى 40 مليون جنيه بأثمان صورية مقابل استغلال نفوذه الحقيقى لدى السلطات المختصة، بأن مكن رجل الأعمال الهارب حسين سالم من الحصول على قرارات تخصيص وتملك مساحات من الأراضى بلغت 4 ملايين من الأمتار المملوكة للدولة بمحافظة جنوبسيناء بالمناطق الأكثر تميزاً فى مدينة شرم الشيخ السياحية. وأصدرت محكمة جنايات القاهرة، فى يونيو الماضى، حكمها بالسجن المؤبد على مبارك والعادلى، وبرأت باقى المتهمين من الاتهامات المنسوبة إليهم، وتم التقدم بطعن على الحكم أمام محكمة النقض، التى قررت إعادة المحاكمة أمام دائرة جديدة، وحددت الاستئناف دائرة المستشار مصطفى حسن عبدالله الذى قرر التنحى وإعادتها للاستئناف مرة أخرى.