أمس كان مبارك فى كامل أناقته. النظارة الشمسية والابتسامة الجامدة القديمة، وصبغة الشعر التى أضاعت بياضاً كشفه السجن، ولم تُضِع شيباً واضحاً، بدأ يظهر علينا قبل أن يظهر عليه. ووسط تحفز مكتوم، واهتمام إعلامى أضاع الاهتمام بالمحاكمة الأهم من وجهة نظرى وهى محاكمة المناضل حسن مصطفى الذى كان أول من كشف قضية خالد سعيد، ويشهد عليه وعلى نضاله أسفلت الإسكندرية وسجونها وصورته المطبوعة عند ضباط أمن الدولة ومديرى الأمن. ووسط كل هذا لوّح مبارك بيده تلويحة الماضى التى نسيناها ولم ينسها الديكتاتور. لوّح وهو راقد على فراشه وحوله ابناه وبطانة أمنه المستبدة. لوّح وكأنه يلوّح لجموع الناس التى أصبحت تقارن بين حكمه وحكم مرسى، فيقولون: كان وحش بس كنا مستريحين. زفت بس كنا مآمنين على عيالنا. ديكتاتور بس كنا ف أشغالنا. كان يشخط الشخطة الموضوع يخلص. كنا نسخر من كباريه وصرفه الصحى ومياهه وها نحن نعانى من نهضة زائفة لم تتحقق، ولن تتحقق أبداً. لوّح مبارك بيده لمرسى. هل ترانى يا (هذا). أنا فى السجن وأنت فى الحكم، ومع ذلك ما زلتُ أخيفك. ما زلت أحتفظ بقدر من الشعبية. ما زلت متفوقاً عليكم جميعاً بأدائى، بينما أنتم لم تفعلوا شيئاً لمصر طيلة ثمانية أشهر. هل تروننى وأنا ألوّح إليكم. أنا ديكتاتور؟؟ نعم. لكن الشعب يحبنى. تلويحة يدى سيتحدث عنها الجميع حتى بعد موتى. سيكتب عنها التاريخ وتمصمص بعض النسوة شفاههن وهن يقلن: ولا يوم من أيامك. هل رأى مرسى التلويحة التى لا بد وأن برامج التوك شو أشبعتها تحليلاً، ولابد أن الإخوان أشبعوها سخرية، ولابد أن كثيرين فكروا فى معناها، ولابد أن كل من يرتدى منظر العالم ببواطن الأمور يقول لكل من حوله إنها حلقة فى مسلسل لحرب النفسية يمارسها الرجل من سجنه. يا أخى اتْوِكِس. يمارس حرباً من سجنه؟؟ جتها نيلة اللى عايزة خلف محلل سياسى. كان يمكن أن تكون جلسة الأمس بداية لمرحلة جديدة بأوراق مكشوفة إذا كان القرار بإخراج مبارك من سجنه والإفراج عنه بعد استنفاده مدة الحبس الاحتياطى القانونية، وكنا سندخل من جديد فى صراعات تافهة، لكن القاضى الذى أصدر أحكاماً بالبراءة لمتهمى موقعة الجمل استشعر الحرج. قالوا عنه إنه ربما يخرجهم براءة فلم يرض بأن يباشر القضية واستشعر الحرج حفاظاً على كرامته، وعلى المقاهى الكائنة وسط شوارع الكلام كانت الناس تسأل: ماذا لو كان مرسى استثمر اللحظة التاريخية وحكم مصر بالخبراء وأصحاب الكفاءات وليس بأوامر جماعته؟. ماذا لو كان أنجز فعلاً وجعل الناس تشعر بتغيير حقيقى؟. ماذا لو حققت جماعة الإخوان ما تريده من أخونة بالإنجاز والعمل والمشاركة الحقيقية التى يشعر معها الجميع بأنهم جماعة محترمة تستحق قيادة سفينة الوطن فيعينوها ويدعوا لها ولرموزها الذين كانوا سيصبحون قادة تاريخيين، بدلاً من أراجوزاتها الذين يتصدرون المشهد الآن ويمارسون الفشل بنجاح ساحق، ويعلقون فشلهم على شماعات النظام السابق والطرف الثالث والشارع وجبهة الإنقاذ والمعارضة والدول العربية والأصابع والحارة المزنوقة وكل من يأتونهم من حيث تترفع أنت عن التداخل معهم. ألم يستشعر مرسى الحرج حتى الآن؟ ألم تستشعر جماعته الحرج حتى تلك اللحظة؟؟. ألم يستشعروا خيبتهم الثقيلة؟؟ ألم يتقزموا ومبارك يلوح للجميع وقد خذلوا كل من وثق بهم من خارج جماعتهم ودراويشهم؟؟ كسفتونا الله يكسفكم.. منكم لله.