جلس «محمود» على كرسى فى صالة منزله ليلتقط أنفاسه بعد عناء صعوده إلى الطابق السابع، ثم دخل غرفة نوم والدته كعادته ليطمئن عليها ويسألها هل تناولت الأدوية الخاصة بعلاجها من مرضها السكر، إلا أنه فوجئ بها ملقاة بجانب السرير جثة هامدة ملفوفاً حول رقبتها «إيشارب»، وترتدى ملابسها كاملة، فأسرع إلى قسم شرطة مركز الفيوم وحرر محضراً بالواقعة، وانتقل فريق من رجال المباحث وأعضاء النيابة العامة الذين عاينوا مسرح الجريمة للوقوف على ملابسات الواقعة. 3 أشهر مرت على الجريمة ولا يزال الغموض هو المسيطر، بالرغم من أن تقرير الطب الشرعى أثبت أن المجنى عليها زينب محمود «66 سنة» فارقت الحياة بإسفكسيا الخنق، وكشفت المعاينة وتحريات المباحث عن عدم وجود أى أعمال عنف على الأبواب والنوافذ، ولم يتوصل خبراء المعمل الجنائى إلى أى بصمات فى مسرح الجريمة، الأمر الذى زاد المهمة صعوبة أمام رجال البحث الجنائى للوقوف على أسباب الجريمة، حتى يمسك رجال المباحث بخيوط الجريمة للوصول للجانى، وتبين للمباحث أن المتهم كان يرتدى قفازاً فى يديه وقت تنفيذ الجريمة، وأنه دخل الشقة عن طريق حصوله على نسخة من المفاتيح. بدأ فريق البحث فى الاستماع لأقوال جيران القتيلة، وبسؤالهم أقروا أنهم حضروا على صرخات نجلها، وعندما صعدوا إلى «الشقة» وجدوها جثة هامدة، فى حين قالت جارتها «سماح» إنها كانت بصحبة المجنى عليها التى طلبت منها مساعدتها فى تركيب أنبوبة البوتاجاز، وجلست معها لمدة ساعتين، وتناولت معها وجبة الغداء، ثم تركتها وذهبت إلى شقتها فى منزل مجاور لمنزل القتيلة، حتى فوجئت بالواقعة عندما سمعت نجلها يستغيث بالجيران. لم تمر هذه الرواية مرور الكرام على رجال المباحث الذين رجحوا أن جارتها وراء تنفيذ الجريمة، وبدأوا فى إعادة استجوابها عدة مرات لرصد تصرفاتها وهى تتحدث عن الساعات التى قضتها مع المجنى عليها قبل تعرضها للقتل، لكن التحريات انتهت إلى أن جارتها غير متورطة فى الجريمة وأنها كانت على علاقة طيبة بالمجنى عليها التى اعتادت الاستعانة بها لمساعدتها فى شراء مستلزمات المنزل. محمود سيد «33 سنة - سائق» كان يترك والدته بمفردها فى شقتهما بمنطقة مركز الفيوم ويذهب إلى عمله على سيارة «ميكروباص» تعمل على خط القاهرة - الفيوم، ويعود إليها بعد منتصف الليل، لكنه فى يوم الحادث اتصل بوالدته فى الساعة العاشرة مساء وأخبرها أنه فى ميدان الرماية ينتظر دوره فى تحميل الركاب، وطلب منها أن تأخذ الدواء، وأخبرها أنه سيحضر معه طعاماً جاهزاً للعشاء، وعندما انتهى من عمله توجه إلى منزله ومعه طعام العشاء عبارة عن دجاجة مشوية، وصعد إلى الشقة، ثم جلس على الكرسى فى الصالة وبدأ فى النداء على والدته عدة مرات لكنها لم تجبه، على غير عادتها، فأسرع إلى باب غرفتها وفتحه ليجدها جثة هامدة، وحضر الجيران على صرخاته وأبلغوا مركز شرطة الفيوم بالحادث، وبدأت أعمال الفحص فى مسرح الجريمة أملاً فى العثور على أى أداة استخدمها الجانى فى تنفيذ جريمته النكراء، لكنهم لم يجدوا سوى «إيشارب» خاص بالقتيلة ملفوف حول رقبتها. أسباب الجريمة لم تكن واضحة لرجال المباحث بعد أن تم استبعاد دوافع السرقة، حيث عثر على المشغولات الذهبية الخاصة بالمجنى عليها فى دولاب غرفة نومها، ورجحت المباحث أن تكون الجريمة تمت بدافع الانتقام من نجل القتيلة، وتم استجوابه لمعرفة علاقته بجيرانه وأقاربه وأصدقائه فى العمل، لكنه أكد أن علاقته طيبة بالجميع، بخلاف بعض المشادات الكلامية العادية التى تحدث يومياً مع السائقين فى «الموقف»، وامتدت الشكوك إلى بعض زملائه من السائقين، وتمت مراقبتهم، وانتهت تحريات المباحث إلى تبرئتهم من الضلوع فى الجريمة، وطالت شكوك المباحث عدداً من المسجلين خطر سرقات بإشراف اللواء سيد شفيق مدير المباحث الجنائية بالوزارة، وتم استجوابهم دون فائدة.