لا يختلف أحد على أن الغش عارٌ على أمة أكرمها الله بخاتم المرسلين سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذى قال: «من غشّنا فليس منا»! كلمات قليلة ذات دلالة عظيمة، ببساطة: الغش ممنوع نهائياً. تذكرت الحديث الشريف وأنا أقرأ أخبار الامتحانات التى تبدأ الشهر المقبل، وإلى جوارها تلميحات وتصريحات متوارية عن إمكانية تراجع بعض القوى السياسية عن مقاطعة الانتخابات إذا تأكد أنها لن تشهد غشاً. مرة أخرى أؤكد أن أزماتنا -فى أغلبها- ثقافية؛ نتفق جميعاً على رفض الغش فى الانتخابات والاستفتاءات، لكننا لا نُعنى به كثيراً فيما هو أهم، من وجهة نظرى؛ فعلى مدى أكثر من نصف قرن من عمرى الإدراكى لم يمر عام دراسى دون أن تُسجَّل حالات لا حصر لها من الغش الفردى والجماعى.. الغش «البلدى» والمتطور.. الغش بمعاونة المدرس، والغش بمعاونة الوالد.. الغش بتواطؤ وتحت إشراف الناظر، والغش من المنبع، أى: التسريب السابق من واضعى الامتحانات أو المطابع أو مسئولى التوزيع، ومؤخراً ظهر غش البلطجة الذى يستخدم قرن الغزال والميكروفون وتهديد المراقِبة بخطف عيالها. الأعجب والأدهى من هذا كله هو ما تسمعه من عبارات الدفاع عمّن يُضبَط متلبساً! أى ثقافة ترسخون؟ وأى قيم تتبنون؟ وعن أى مستقبل تتحدثون؟ لعل تأجيل الانتخابات -الذى تقرر بفضل الله وحده- فرصة كى نركز جميعاً على إقامة أول موسم امتحانات شريفة فى تاريخ مصر. فلنتعاون كلنا لتحقيق هذا الأمل الذى سيكون له أعظم الأثر فى تصحيح ثقافتنا وتربية أبنائنا.. أُوجّه الدعوة لجمعيات المجتمع المدنى والمؤسسات الحقوقية والقوى السياسية للتعاون فى رسم خطة محكمة لتنقية الامتحان المدرسى والمهنى والجامعى فى صيف 2013، ثم يتم توزيع الأدوار على المتطوعين للقيام بأدوار فعالة فى عمليات الإشراف والمراقبة بحياد تام وعدالة مطلقة. أليست هذه فرصة جيدة لتجربة الإشراف على الامتحانات ومن بعدها الانتخابات؟ أظن ذلك، بل وأعلن استعدادى للتطوع للتفرغ لهذه المهمة الشريفة يومين أسبوعياً طوال الامتحانات.. أثق أن الكثيرين سيؤكدون أنهم أفضل منى وعلى استعداد لتضحيات أكبر بجهدهم ووقتهم. مصر تحتاج -فى هذه المرحلة المليئة بالإحباطات- إلى تسجيل انتصارات وقصص نجاح فى أى مجال.. فلتكن الامتحانات هى نقطة الانطلاق. لا أظن أن اقتراحى هذا يحتاج قانوناً جديداً، وإنما قرارين فوريين من الوزيرين القائمين على التعليم ينصان على تكوين لجنة عليا للامتحانات تضم عدداً من ممثلى المجتمع المدنى والحقوقى والسياسى بمساواة تامة بين جميع الأحزاب، وحرص على تمثيل جغرافى إقليمى عادل. فلتحقق هذه اللجنة طموحات الجميع وتكسر مشاعر التمييز والشعور بالإقصاء الذى ينتاب البعض، ولبعض هذا البعض كل الحق فيما يشعر به أحياناً. صفحة بيضاء يمكننا أن نسطرها على نحو غير مسبوق، وفى ذهننا -وفى المقام الأول- التخلص التام من تشوهاتنا الثقافية وإزالة التراب عن مبادئنا وقيمنا التى عاش أجدادنا يعتزون بها، ثم تلاشت تدريجياً فى أزمنة التسطيح واستبعاد أهل الفكر والثقافة. لو طبقنا هذا الاقتراح سينشأ جيل أكثر تمسكاً بقيم العدالة والمساواة وعدم التمييز، وسيصبح كل تلميذ وطالب مضطراً للحرص على التعليم والإلمام بالمناهج الدراسية قبل دخول الامتحان، وهو هدف كثيراً ما يتوه فى الزحام، فليصعد كل إمام أو واعظ على منابر المساجد والكنائس ليُذكّر الناس بأن الغش يهدم المجتمع بما ينشره من شعور بالظلم واستعداد للحصول على شىء غير مستحق. الغش يصيب أطفالنا بالتسمم، ويهدم البيوت فوق رؤوسنا. الامتحانات أولاً، ثم الانتخابات.