بعد أسبوع من وفاة بائع السمك محسن فكري، الذي لقي مصرعه "مطحونا" داخل شاحنة للقمامة، ألقى بنفسه داخلها احتجاجا على مصادرة أسماكه، قبل أن تدوس يد "مجهولة" على زر الطحن، ليفدي فكري أسماكه بروحه؛ استأنفت مدينة الحسيمة المغربية، مساء أمس، احتجاجاتها، بعد يومين من الاستراحة. المنظمون للاحتجاجات السلمية، اختاروا أن تكون مسيراتهم "صامتة"، إلا من لافتة كبيرة، اختزلت كل الكلمات، كتب عليها "كفى من الحكرة". وعلى أضواء الشموع التي حملها المحتجون، جابت المسيرات الاحتجاجية شوارع المدينة، فيما حضرت الأعلام الأمازيغية، وتلك التي تعبر عن منطقة الريف، التي شدد المنظمون على أنها أعلام لا تدعو إلى الانفصال، وإنما تعبر عن ارتباط أبناء المنطقة بثقافتهم وتاريخهم الذي يتقاسمونه مع المغاربة، وذلك بحسب ما ذكره الكاتب الصحفي طارق بنهدا، الذي كان حاضرا في المكان. وأكد بنهدا في تصريح ل"الوطن"، أن المحتجين حافظوا على سلمية التظاهر، وحرصوا على الانضباط في التنظيم، بتخصيص سلاسل بشرية تحرس المؤسسات والمحلات من أي محاولة تخريب محتملة خارجة عن إرادة المنظمين. وأوضح المتحدث ذاته، أن شعار "كفى من الحكرة"، ردا على ما وصفه المحتجون ب"تصريحات رسمية تتهمهم بالفوضى ومحاولة خلق الفتنة". والعلاقة بين أهل الريف و"المخزن" متوترة دائما، بسبب محطتين لن ينساهما أهل الريف، الألى تتعلق بمطالبة أهل الريف في العام 1958، بمحاربة الفقر وتشغيل العاطلين وإشراكهم في تسيير شؤون البلاد، وهو ما قوبل حينها بالرفض من لدن الرجل القوي في البلاد، الأمير مولاي الحسن "الحسن الثاني". ففي البداية، قوبلت المطالب بالتجاهل؛ ما دفع أهالي المنطقة للاحتجاج والانتفاضة مطالبين بالعدالة الاجتماعية، وأفضى إلى ردة فعل وصفت ب"العنيفة" تجاه المنتفضين في عدد من مناطق الريف، تمثلت في محاصرة المنطقة برا وبحرا، والهجوم على المنطقة بمعدات عسكرية. والمحطة الثانية، مرتبطة بالهبة الشعبية الثانية التي عرفتها مناطق الريف في العام 1984، والتي جاءت في سياق اجتماعي عام اتسم بتوالي سنوات الجفاف، وتفشي البطالة والفقر، وانخفاض أسعار الفوسفات في الأسواق الدولية؛ ما عمّق الهوة بين مناطق الريف وباقي جهات البلاد، وأفضى إلى احتقان اجتماعي غير مسبوق. وانطلقت انتفاضة الريف باحتجاجات دشنتها فئة التلاميذ، في مدن مثل الناظوروالحسيمة وغيرهما، والذين قرروا مقاطعة الدراسة ونظموا مسيرات احتجاجية؛ ما دفع السلطات الأمنية إلى اعتقال عدد من التلاميذ، لتشكل ردة فعل عكسية من لدن آلاف السكان الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجا على تلك الاعتقالات، واحتجاجا أيضا على الأوضاع الاجتماعية التي وصفت بالمزرية حينها. وفي العام 1958، قابلت السلطات الأمنية هذه الاحتجاجات بتدخلات عنيفة في حق المتظاهرين، ما أفضى إلى سقوط عدد من الضحايا، من قتلى وجرحى ومفقودين ومعتقلين، قبل أن يخرج الملك الراحل الحسن الثاني بخطاب تاريخي ما زال يذكره المغاربة وصف فيه سكان الريف ب"الأوباش". وبين انتفاضات أمس، واحتجاجات اليوم، اعتبر الحقوقي شكيب الخياري، أن المواطن الريفي كان على مر التاريخ يسعى للاندماج في الوطن ومقاسمة ثرواته مع أبنائه"، مؤكدا أن "جل الأحداث التي عرفتها المنطقة كانت تنادي بمطالب، أهمها الاندماج في الوطن". وأوضح الحقوقي، أن "هناك تحولا كبيرا في المنطقة"، معتبرا أن شباب الريف يريدون التنمية رغم كل الإكراهات، وهي "فرصة ثمينة للدولة للتعرف على ما يريده". وفي ذات السياق ذاته، حذر عمر الزراد النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، من كون المدينة التي خرج أبناؤها للتنديد بمقتل سماكهم "سحقا" في عربة لنقل النفايات، يعيش سكانها فقرا مدقعا بسبب غياب فرص العمل، وانعدام خدمات التعليم والصحة والنقل، متابعا: "أهل الريف لا يملكون في الواقع شيئا سوى كرامتهم"، قبل أن يستطرد: "في مثل هذا الوضع ماذا ستنتج الحسيمة غير الاحتقان والاحتجاجات؟". وأضاف الزراد، أن المرحلة الحالية تتطلب من الحكومة أن تسائل الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة، وإيجاد إجابات على المشكلات الحقيقية للسكان"، مقترحا على الحكومة التفكير في إيجاد سبل لتشجيع الاستثمار، من قبيل منح الأراضي مجانا للمستثمرين بغية خلق فرص عمل لأبناء المنطقة. يذكر أن النائب العام لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، أحال الثلاثاء الماضي 11 متهما، في قضية محسن فكري، للتحقيق، بينهم اثنين من رجال السلطة، ومندوب الصيد البحري، ورئيس مصلحة بمندوبية الصيد البحري، وطبيب رئيس مصلحة الطب البيطري، من أجل التزوير في محرر رسمي والمشاركة فيه والقتل غير العمد.