كما تعيد بعض القوى السياسية المنتسبة إلى الليبرالية عقارب الساعة إلى الوراء بالإفصاح عن رغبتها فى استدعاء الجيش مجدداً إلى إدارة الشأن العام ومؤسسات الدولة، يعيد الكثير من سياسيى أحزاب وقوى اليمين الدينى إنتاج رؤى ماضوية بحديثهم المستمر عن مؤامرات تُحاك بالداخل والخارج لقلب نظام الحكم وفرض الفوضى وعدم الاستقرار. من رئيس منتخب يتحدث عن «أصابع» داخلية وخارجية تعبث بمصر، إلى قيادات حزبية تتهم المؤسسات الأمنية والاستخباراتية بالتآمر ضد الوطن، مروراً بزعم قيادات أخرى أن السلطة القضائية (محكمة دستورية عليا وقضاء إدارى والآن استئناف) تسعى لإفشال «المشروع الإسلامى» عبر أحكامها وقراراتها، يعيد اليمين الدينى إنتاج خطاب «المؤامرة» لتبرير أخطائه المتتالية وعجزه عن إدارة الشأن العام والسياسى وتجاهله للقواعد الثلاث الرئيسية وهى الشراكة الوطنية والصالح العام وسيادة القانون. لم يفرض متآمرون من الداخل أو من الخارج على الرئيس المنتخب إصدار إعلانه الكارثى فى 21 نوفمبر 2012، بل جاء القرار منه مع جماعته وحزبها ورتب ذلك خطر انهيار للعملية السياسية وارتفاعاً فى منسوب العنف والصراع فى مصر لم يتراجعا إلى اليوم. لم يضغط المتآمرون من الداخل أو من الخارج على الرئيس وحكومته بهدف الامتناع عن تفعيل برنامج واضح المعالم للعدالة الانتقالية وإصلاح وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والامتناع هذا هو السبب الأول لتواتر انتهاكات حقوق الإنسان وتواصل مسلسل الإفلات من المساءلة والمحاسبة. لم يرفض متآمرون من الداخل أو الخارج قرارات اقتصادية واجتماعية وسياسية توافقية اتخذها الرئيس المنتخب وحالوا دون تفعيلها على أرض الواقع، بل غابت هذه القرارات بالكامل مع رئيس لم يُرد بعد أن يكون رئيساً لكل المصريات والمصريين ومع حكومة ضعيفة. لم يقدم متآمرون من الداخل أو الخارج شراباً أو طعاماً مُذهباً للرشادة وللموضوعية لأعضاء الجمعية التأسيسية للدستور حين توافقوا على مواد مشوهة، أو لأعضاء مجلس الشورى حين أقروا قانوناً للانتخابات البرلمانية مطعوناً فى دستوريته، أو حين تحايلوا على قرار الدستورية العليا بشأن تعديل قانون الانتخابات فأوقف القضاء الإدارى الإجراءات الانتخابية. لم يكن هذا كله من فعل متآمرين من الداخل أو الخارج، بل حصيلة أخطاء نخبة الحكم وحلفائها فى اليمين الدينى (علماً بأن بعض أحزاب اليمين الدينى كحزب النور لديها تحفظاتها عليها). تماماً كما يهين استدعاء الجيش إلى السياسة رغبة قطاعات واسعة من المصريات والمصريين فى التحول الديمقراطى وبناء الدولة المدنية ويتناقض بالكامل مع مبادئ الليبرالية السياسية، يهين خطاب التآمر والمؤامرات رشادة وعقلانية المصريات والمصريين ويدفع بالمسئولية السياسية عن الأزمات الراهنة بعيداً عن نخبة الحكم وحلفائها وهى وهم -بتجاهلهم للشراكة الوطنية والصالح العام وسيادة القانون- وضعونا مع مخاطر انهيار العملية السياسية والقابلية للعنف والصراع.