* متى سيطبق التطعيم الإجبارى ضد سرطان عنق الرحم فى مصر؟ «إذا عُرف السبب بطل العجب».. مقولة تراثية شهيرة يمكن تطبيقها بدقة شديدة على العلوم الطبية الحديثة؛ حيث يمكننا القول: «إذا عرف السبب أمكن الوقاية والعلاج حتى الشفاء الكامل».. وعلى العكس إذا لم يعرف السبب أصبحت الوقاية مستحيلة والعلاج الكامل من الصعوبة بمكان. ولذلك اهتم علماء علم الأمراض ولا يزالون بالبحث الدقيق فى أسباب الأمراض، وذلك حتى تمكن الوقاية منها باستخدام التطعيمات والعلاج حتى الشفاء الكامل باستعمال المضادات الحيوية على سبيل المثال. أمكن تطبيق ذلك على معظم الأمراض باستثناء الأورام الحميدة والخبيثة؛ حيث لم يمكن حتى الآن رغم التقدم المذهل فى علم الأمراض التوصل إلى أسبابها المباشرة، فقط أمكن التوصل إلى عوامل مسببة (Etiological factors) أو عوامل تزايد الخطورة (risk factors). على سبيل المثال ارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستوى السكر والسمنة عوامل مسببة لسرطان بطانة الرحم، لكن ليس بالضرورة أن كل سيدة تعانى هذا الثلاثى سوف تصاب بسرطان بطانة الرحم، وبالمثل فقد تصاب سيدة بهذا السرطان دون توافر أى من هذه العوامل. استثناء مما سبق فقد حدثت نقطة تحول تاريخية فى هذا الصدد؛ حيث أمكن اكتشاف سبب مباشر للإصابة بسرطان عنق الرحم عند السيدات. سرطان عنق الرحم الذى يعتبر ثانى أنواع السرطانات انتشارا فى العالم بعد سرطان الثدى ويصيب حوالى نصف مليون سيدة سنويا يؤدى إلى وفاة أكثر من نصفهن ومعاناة شديدة للنصف الآخر بعد تطبيق وسائل علاج جراحية شديدة وباستخدام الإشعاع والأدوية الكيماوية مع ما يتضمنه ذلك من تكلفة مادية عالية وأعراض جانبية لا يمكن تحملها فى معظم الأحيان ويضاف إلى ذلك عدم إمكانية تحقيق الشفاء الكامل من هذا السرطان اللعين. بعد أبحاث مضنية استمرت قرابة الخمسة عشر عاما تمكن العالم الألمانى هارالد هاوزن من إثبات أن السبب الوحيد والمباشر للإصابة بسرطان عنق الرحم هو العدوى بفيروس HPV (الفيروس الحليمى البشرى) وقد استحق جائزة نوبل فى الطب عام 2007م عن هذا الاكتشاف، وينتقل هذا الفيروس أساسا بالاتصال الجنسى ويصيب خلايا عنق الرحم؛ حيث يكمن بداخل الخلية ويسيطر على نشاطها؛ حيث يسخرها لإنتاج فيروسات جديدة وهكذا تستمر الدورة. جدير بالذكر أن هذه الإصابة لا تسبب حدوث أعراض على الإطلاق وتستمر لسنوات طويلة قد تصل إلى أكثر من خمسة عشر عاما مسببة تغيرات متدرجة فى خلايا عنق الرحم قد تصل إلى إنتاج خلايا سرطانية فى النهاية. وبذلك يمكننا إدراج سرطان عنق الرحم، هذا السرطان الصامت والقاتل، تحت مجموعة الأمراض الفيروسية، ومن ثم تم تطوير مصل يمكن استخدامه فى التطعيم ضد هذا الفيروس، وبالتالى منع الإصابة به وحماية عنق الرحم من الإصابة بالسرطان. أصبح إعطاء هذا المصل إجباريا فى معظم دول العالم؛ حيث تم التخلص بصورة شبه نهائية من الإصابة بهذا الفيروس فى معظم البلدان المتقدمة طبيا مثل إنجلترا وأستراليا؛ حيث يتم استخدامه مع الفتيات ابتداء من سن 9 سنوات ويعطى بأمان دون حدوث أى أعراض جانبية. وبدأ استخدام هذا المصل فى مصر منذ نحو ثلاث سنوات ولكن لا يزال استخدامه على نطاق ضيق، نأمل فى أن يزداد ويصل إلى حملة قومية ناجحة كالتى تمت بالنسبة لسرطان الثدى وحققت نجاحا كبيرا فى الاكتشاف المبكر والعلاج حتى الشفاء الكامل بإذن الله.