يقول أطباء نفسيون وأخصائيون اجتماعيون إن أكثر الأسباب التى تؤدى إلى محاولات الانتحار تعود إلى إحباط ناتج عن متطلبات الحياة الحديثة. ومع الضغط النفسى المتزايد، مع ازدياد ظاهرتى الفقر والبطالة اللتين بدت آثارهما محسوسة، وتدنى الوضعين السياسى والاقتصادى، أصبح الإحباط هو سمة الشعب المصرى اليوم. ويتملك الإحباط عدداً كبيراً من الشباب، وخصوصاً القطاع الذى شارك فى الثورة بقوة على أمل تغيير أوضاعه الاجتماعية والسياسية تغييراً جذرياً. إلا أن احتلال جماعة الإخوان واحتكارها للسلطة مع فشل الرئيس مرسى فى النهوض بأى مجال كان فى مصر ترك انطباعاً بأنه لا ثورة ولا مكاسب للشعب إلا بعد رحيل الإخوان. وقد جاءت أحداث العنف المتلاحقة فى الأشهر الماضية، وتفاقمت الأسبوع الماضى أمام مكتب الإرشاد، لتثبت أن فشل الرئيس اليومى فى إدارة مصر يدفع بالبلد إلى حرب أهلية كارثية لا محالة. فعندما تجاهل الرئيس هجوم ميليشيات الإخوان على النشطاء السلميين أمام قصر الاتحادية ومقتل عدد منهم العام الماضى، رسخ الرئيس قاعدة استخدام العنف لحل الخلاف السياسى. وعندما يتجاهل الرئيس أوجه التعدى على القانون والمحاكم والإعلاميين من أتباعه لإسكات معارضيه فهو يرسخ لقاعدة استخدام العنف لحل الخلاف السياسى. وعندما قام أمن مكتب الإرشاد بالاعتداء بالضرب على مجموعة من الصحفيين والنشطاء السياسيين أثناء التظاهر السلمى هناك، وباتت مؤسسة الرئاسة مختفية تماماً عن المشهد ولم يعلق الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية أو أحد مساعديه ومستشاريه على الأحداث، أصبح الرئيس يرسخ مبدأ العنف لحل الخلاف السياسى. وفى الوقت الذى تجاهلت فيه مؤسسة الرئاسة المصرية ما يجرى على أرضها اهتمت الولاياتالمتحدةالأمريكية بما يحدث داخل مصر، وجاء التعليق على أحداث المقطم من واشنطن، حيث قالت المتحدثة باسم «الخارجية» الأمريكية، فيكتوريا نولاند: «إننا قلقون دائماً من الاشتباكات العنيفة فى مصر.. ونشجع أى شخص على التعبير عن أى مظالم سلمياً.. لقد شجعنا الحكومة على قيادة حوار واسع للتعامل مع الإحباطات الشعبية على الجانبين السياسى والاقتصادى». والإحباط السياسى والاقتصادى هنا هو الكارثة التى يرفض الرئيس ومعاونوه الاعتراف بها والتى قد تدمر هذا البلد، لا قدر الله. ألم يفكر الرئيس فى الأسباب التى جعلت شاباً مثل «جيكا» صوّت له فى الانتخابات يعارضه لحد الاستشهاد؟ ألا تدرس مؤسسة الرئاسة سيكولوجية الشعب وترى أن كرهه العام للإخوان فى تزايد مستمر؟ ألا يقدر الرئيس أن إقدام الشباب من الجانبين على العنف والعنف المضاد هو نتيجة مباشرة لفشله فى إدارة مصر؟ لو لم يتخاذل الرئيس فى تطبيق القانون على أنصاره من الميليشيات الذين اعتدوا على المتظاهرين السلميين يوم جمعة «كشف الحساب» ومروراً بالاعتداء على مقر حزب الوفد والجرائد المصرية وغيرها من أحداث العنف ضد معارضيه، لما كان هناك عنف مقابل من بعض المتهورين من الشباب الثائر المحبط. لست ممن يشجعون العنف لحل الخلافات السياسية أو غيرها وأدينه بكافة أشكاله، ولكن يجب ألا نتوقف عند إدانة العنف دون البحث عن أسباب الإحباط التى أدت إليه ومعالجتها سريعاً حتى لا تتفاقم الأمور للأسوأ. وأهم أسباب الإحباط هو فشل الرئيس والإخوان فى إدارة الاقتصاد المصرى، بالطبع لأنها ليست محلات بقالة وملابس وموبيليا. ولا يقل فشل الرئيس والإخوان فى احتواء المعارضة، حتى من داخل التيار الدينى نفسه، وتقديم حلول سياسية تخرج بالبلد من حافة الهاوية، عن الفشل فى إدارة الاقتصاد. وهنا نجد أنفسنا أمام رئيس يدفع بالبلد إلى التهلكة ويقف متفرجاً. لقد انتخب نصف الشعب الرئيس ليرى عودة الأمن وارتفاع الاقتصاد وعودة الحريات وخلق حياة كريمة للشعب، ولكن هذا الانتخاب لا يعطى «مرسى» حق البقاء فى السلطة إذا فشل فى قيادة البلد. إن ما نقدم عليه الآن تحت قيادة الرئيس هو تدمير كامل لمؤسسات واقتصاد أكبر دولة فى الشرق الأوسط تحت حجة شرعية الصندوق. فقد أصبح بقاء الرئيس عبئاً على مصر ويدفعها إلى تدهور سريع جداً وعليه أن يرحل فوراً ويتركها لمن يستطيع إصلاحها قبل الانتحار السياسى والحروب الأهلية وفوات الأوان.