توقيع بروتوكول تعاون لترسيخ مبادئ الشَّريعة الإسلاميَّة السَّمحة    فضيحة إسرائيلية: حملة تضليل ممولة لخداع الجمهور الأمريكي    تصفيات كأس العالم.. ترتيب مجموعة مصر بعد الفوز على بوركينا فاسو    القيعي: أشفق على كولر بسبب الضغوط.. وأطالب اللاعبين بالتركيز    أحلى بطيخ ممكن تاكله والناس بسأل عليه بالاسم.. بطيخ بلطيم.. فيديو    الحبس وغرامة 300 ألف جنيه عقوبة استخدام برنامج معلوماتي في محتوى مناف للآداب    بظل شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اقتحام واسع للمسجد الأقصى وطقوس ل"أمناء الهيكل"    الأربعاء ..الصحفيين توقع بروتوكول تعاون مع بنك ناصر الاجتماعي    ارتفاع أسعار النفط وسط آمال خفض الفائدة الأمريكية في سبتمبر    نور الشربينى تواصل الدفاع عن اللقب وتتأهل لنصف نهائى بريطانيا المفتوحة للاسكواش    الأرصاد تكشف حالة الطقس أيام عيد الأضحى وتؤكد: الجمعة ذروة الموجة الحارة    بعد إحالة أم وعشيقها للجنايات، ننشر أقوال مجري التحريات بواقعة مقتل الطفلة ريتاج    عمرو دياب يُحيي حفل زفاف جميلة عوض وأحمد حافظ    الشوبكى: الهدف من بيان «شاس الإسرائيلى» مواجهة الأحزاب المتشددة    وفاة المخرج المسرحي محمد لبيب    ماذا كان يفعل النبي محمد بعد رؤية هلال شهر ذي الحجة؟ دار الإفتاء توضح    «زوجي عاوزني أشتغل وأصرف عليه؟».. وأمين الفتوى: عنده مشكلة في معرفته لذاته    «يقول الشيء وعكسه ويروي قصصًا من خياله».. ماذا قالت اللجنة الطبية عن القوى العقلية ل«سفاح التجمع»؟    تفاصيل إصابة لاعبي الكاراتية بمركز شباب مساكن إسكو    ميلان يعثر على خليفة جيرو    حزب مصر أكتوبر يجتمع بأمانة الغربية بشأن خطة عمل الفترة المقبلة    جمال شقرة يرد على اتهامات إسرائيل للإعلام: كيف سنعادى السامية ونحن ساميون أيضا؟    توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الثاني من شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    أحمد فايق: الثانوية العامة مرحلة فى حياتنا علينا الاجتهاد والنتيجة على ربنا    وجدي زين الدين: خطاب الرئيس السيسي لتشكيل الحكومة الجديدة يحمل توجيهات لبناء الإنسان    موعد صلاة عيد الأضحى 2024.. بالقاهرة والمحافظات    جامعة أسيوط تشارك في المؤتمر ال32 للجمعية الأوروبية لجراحي الصدر بإسبانيا    هانى تمام ب"لعلهم يفقهون": لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    خبير تربوى يوجه نصائح قبل امتحانات الثانوية العامة ويحذر من السوشيال ميديا    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    خبير علاقات دولية: جهود مصر مستمرة في دعم القضية الفلسطينية (فيديو)    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    انطلاق فعاليات الملتقى السنوي لمدراء الالتزام في المصارف العربية بشرم الشيخ    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    «تنمية المشروعات»: تطوير البنية الأساسية ب105 ملايين جنيه بالإسكندرية    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    «تموين القاهرة» تضبط أكثر من 11 طن دواجن ولحوم و أسماك «مجهولة المصدر»    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحدث كتاب أمريكى يكشف الاتصالات الأخيرة بين أوباما ومبارك وهيلارى وسليمان قبل يوم التنحى
مستشارو أوباما من الشباب طالبوه بعدم الوقوف أمام مجرى التاريخ.. و«هيلارى» و«جيتس» كانا يحسبان مخاطر عدم وضوح الرؤية فيما سيحدث
نشر في الوطن يوم 23 - 03 - 2013

على قائمة أكثر الكتب الأمريكية مبيعاً، احتل كتاب صدر فى الأسبوع الماضى مكاناً متقدماً، كان الكتاب يحمل عنوان: «الوزيرة: رحلة مع هيلارى كلينتون من بيروت إلى قلب السلطة الأمريكية»، للكاتبة «كيم غطاس».
«كيم غطاس» هى مراسلة للإذاعة البريطانية «بى بى سى»، يصفها البعض بأنها واحدة من أقرب الناس لهيلارى كلينتون، وأحد الذين رافقوها هى ومعاونيها فى كل الرحلات التى قامت بها لدول العالم، واستمعوا للطريقة التى تدار بها القرارات فى مكتب وزيرة الخارجية الأمريكية. وهو ما جعل كتاب «الوزيرة» يحمل للقارئ قيمة مزدوجة؛ من صحفية قريبة من دوائر صنع القرار الأمريكى، ولا تتحدث إلا بمعلومات ووقائع موثقة. وكذلك من كاتبة وثيقة الصلة شخصياً بهيلارى كلينتون، تسجل شهادتها وسيرتها بشكل غير مباشر عن فترة عملها التى شهدت أهم حدث فى السنوات الأخيرة، وهو ثورات الربيع العربى.
إن قراءة ما ورد فى كتاب «الوزيرة» عما جرى فى أروقة الإدارة الأمريكية خلال فترة الثورة المصرية، والأيام الأخيرة التى سبقت رحيل مبارك، تلقى مزيداً من الضوء حول تلك الفترة التى قلبت تاريخ مصر. تقول: «كانت هناك نقاشات لا تنتهى فى أروقة الإدارة الأمريكية حول الموقف فى مصر بعد اندلاع المظاهرات فى الشوارع. لكن النقاش لم يكن حول بقاء مبارك من عدمه، وإنما عن كيفية وتوقيت رحيله. كان بعض المسئولين فى الإدارة الأمريكية يدركون خطر أن تتحول المواجهة بين الشعب المصرى ومن يحكمونه إلى انهيار تام وكامل لمؤسسات الدولة، بشكل يلقى مصر فى جوف هاوية سوداء عميقة يتسبب فيها الرحيل السريع لمبارك، خاصة أن مبارك لم يكف عن التلويح بأن البديل له هو وصول الإسلاميين، وتحديداً جماعة الإخوان للحكم، وهى جماعة ظلت الولايات المتحدة تتعامل معها بحذر حتى عندما صارت تعمل تحت ستار حزب سياسى سلمى».
«كانت إسرائيل أيضاً تشعر برعب من أن يتم استبدال نظام مبارك بحكومة إسلامية، فمهما كان السلام مع مبارك بارداً، فقد ظلت حكوماته على الأقل تحافظ على معاهدة السلام معها. لكن، لم يفهم أحد أن إسرائيل كانت على سلام مع رجل واحد، هو مبارك، وعلى عداوة مع 80 مليون مصرى».
وتواصل كيم غطاس فى كتابها شرح الانقسامات فى الإدارة الأمريكية حول الموقف من مصر: «مستشارو أوباما من الشباب، وعلى رأسهم سامنثا باور، كبيرة المستشارين فى السياسة الخارجية، كانوا هم أصحاب التصورات الأكثر «مثالية» لما يحدث فى مصر. كانوا يلحون على الرئيس الأمريكى قائلين: لا يمكننا أن نوقف مجرى سير التاريخ. لا يمكننا أن نقف فى وجه ما يحدث لأن هذا من الممكن أن يرتد علينا وتتعرض مصداقيتنا للتدمير تماماً. وكانت النتيجة، أن تعامل أوباما مع الثورة المصرية بالطريقتين: استمعت إدارته لمطالب الشعب وتركته يوجه مجرى الأحداث كما يريد، وكما كان يريد المستشارون الشباب، فى الوقت الذى كانت تحاول فيه أمريكا «تقويم» القيادة المصرية فى الاتجاه الصحيح».
«كل من هيلارى كلينتون، وروبرت جيتس وزير الدفاع، كانا يمثلان الاتجاه الأكثر تقليدية فى التعامل مع الأمور داخل الإدارة. كانا يحسبان مخاطر عدم وضوح الرؤية فيما سيحدث لاحقاً فى مصر، وكانا حذرين من الضغط لإخراج مبارك من السلطة بسرعة أكثر من اللازم. أما النقطة الثانية التى كانت هيلارى تتحسب منها فكانت رد فعل حلفاء أمريكا وخاصة السعودية على ما يحدث؛ فالتخلى عن مبارك بهذا الشكل يمكن أن يعطى الانطباع أن أمريكا صديق غير حقيقى يهجر حلفاءه، خاصة أن السعودية غضبت بالفعل من أن أمريكا لا تريد إظهار دعمها لمبارك. واتصل الملك عبدالله، خادم الحرمين الشريفين، بالرئيس المصرى ليعرب عن مساندته له».
ويواصل الكتاب: «إن الحكام العرب يحملون الغرب مسئولية كل ما يحدث فى بلادهم، ووزير الخارجية أحمد أبوالغيط مثلاً، كان مقتنعاً أن الثورة كلها من تدبير واشنطن لمجرد أن عضواً فى حركة 6 أبريل حضر مؤتمراً فى أمريكا. كان القادة فى مصر غارقين فى أوهامهم، بينما استيقظ الشعب مطالباً برحيل مبارك، وكان على أمريكا أن ترسل شخصاً ما إلى مبارك «لإفاقته». واقترحت هيلارى أن من يذهب لمبارك، عليه أن يشرح له سراً ضرورة أن يستعد للرحيل قبل أن ينفلت زمام الأمور».
ويروى الكتاب: «وواصلت هيلارى أن الانتخابات الرئاسية المصرية ستتم فى نهاية العام، والرسالة التى توجهها واشنطن لمبارك هى أنه من الضرورى أن تكون هذه الانتخابات حقيقية، وليست مرتبة مسبقاً، وأن على مبارك ألا يترشح لا هو ولا ابنه للرئاسة. خاصة أن لديه كل ما يحتاج من الوقت للإعداد الجيد للديمقراطية».
«واختارت هيلارى فرانك ويزنر، سفير أمريكا السابق فى مصر لتسليم الرسالة الأمريكية لمبارك: إن عليه إخلاء الطريق من أجل صالح البلاد. لكن مبارك، العجوز العنيد، صم أذنيه، ولم يكن يفكر فى إدارة الأمور بأى طريقة أخرى غير الطريقة الوحيدة التى اعتاد عليها. لم تكن هناك حيل جديدة فى جراب الحاوى العجوز».
على أن هناك نقطة أخرى كانت تثير قلق الإدارة الأمريكية كما يؤكد الكتاب: «فى البيت الأبيض، كان المسئولون يشعرون بالقلق من مسألة أخرى: أن الثوار فى الشوارع لم ينتبهوا أن وراء مبارك مؤسسة هائلة لم تمس، مؤسسة قادرة على إدارة الأمور به أو بدونه. ولمحت هيلارى إلى أنه ليس هناك جدوى من الإطاحة بمبارك ليتم استبداله بديكتاتورية عسكرية. لقد كانت الولايات المتحدة واعية تماماً بمدى حجم وقوة الجيش المصرى، خاصة بعد أن التزم الجيش بعدم إطلاق النار على المتظاهرين فى الشوارع. لكن، لم يكن أحد يعرف ما الذى يمكن أن يفعله الجيش غداً».
«وصار النواب الديمقراطيون والجمهوريون يحاولون الاتصال بمبارك لإقناعه بالتخلى عن منصبه، ويضغطون على الإدارة الأمريكية لكى تطالبه رسمياً بالاستقالة. لكن واشنطن كانت قلقة من التدخل بشكل مباشر فى مسار أحداث الثورة فى مصر، ورأت أنه من الأفضل أن تقدم كل الدعم الممكن للشعب من دون أن يبدو الأمر كعملية يوجه الأمريكان مسارها. كان الرأى السائد فى إدارة أوباما يقول: لا تدفع الناس للمواجهة ثم تتركهم وظهورهم مكشوفة، لأنك ستعجز عن حمايتهم من الأمن الذى يعتقلهم ويقتلهم».
والواقع، أن قلق أمريكا من التدخل مباشرة فى سير الثورة المصرية لم يكن تفكيراً أخلاقياً بقدر ما كان تفكيراً عملياً لا يريد تكرار أخطاء الماضى، تذكرت أمريكا، وفقاً للكتاب: «ما حدث فى 1991 بعد حرب الخليج، عندما دفعت أمريكا بالشيعة العراقيين للقيام بثورة ضد نظام صدام حسين، لكنها كانت غير قادرة، أو غير راغبة، فى تقديم الغطاء اللازم للمعارضة العراقية لكى تستمر. وكانت النتيجة مصرع عشرات الآلاف من الأشخاص بعد أن قمع صدام حسين هذا التمرد ضده».
لكن، هل كانت أمريكا تعتقد أن بقاء مبارك فى السلطة أقرب من خروجه منها، تقول كيم غطاس فى كتابها: «الأمر الثانى الذى كانت أمريكا تحسب حساباً له فهو ماذا لو طالبت أمريكا مبارك بالتنحى ثم نجح هو بشكل ما، فى البقاء وقرر سحق المعارضين له متسبباً فى خسائر فادحة للأرواح؟. كان الواقع أن أمريكا لم تكن قادرة على إيقافه لو قرر ذلك، فهى لن ترسل قوات الفرسان والمشاة لردعه، وحتى التلويح بقطع المساعدات العسكرية لمصر لم يكن ليحدث تأثيراً إلا على المدى البعيد. وفى كل الحالات، فإن فكرة قطع المعونة تعد دائماً آخر الحلول التى يمكن التفكير فى اللجوء إليها فى الأزمات».
ويواصل الكتاب: «العالم كله كان يضع استنتاجاته حول حجم التدخل الأمريكى فى مصر، بينما كان المسئولون فى الإدارة الأمريكية يتخبطون فى الظلام. قال لى أحدهم: «نحن فى مصر مقبلون على المجهول، إما أن نشهد تكرار عام 1989 أو عام 1979»، وكان عام 1989 هو العام الذى شهد انهيار سور برلين واعقبته موجة من الانفتاح السياسى والاقتصادى الذى شمل كل دول أوروبا الشرقية التى كانت واقعة تحت الاحتلال السوفيتى، أما عام 1979 فكان العام الذى شهد قيام الثورة الإسلامية بقيادة الخومينى فى إيران، وجاءت بحكم الملالى المتشددين للحكم فى إيران الذى استمر حتى اليوم».
ويتابع الكتاب: «لم يكن أحد فى واشنطن يعرف أى المسارين ستتخذه الأحداث فى القاهرة. لكن، كانت التحذيرات المتكررة فى الإدارة الأمريكية، أن الأحداث الحالية يمكن أن تقلل من النفوذ الأمريكى فى المنطقة. ففى النهاية: ها هو حليف أمريكا الذى خلعه شعبه. ويمكن أن يفسره البعض على أنه «خلع» للنظام الأمريكى نفسه، بشكل يبهج أعداء الولايات المتحدة فى المنطقة مثل سوريا وإيران».
«ويوم 1 فبراير، أعلن مبارك أنه لن يسعى لإعادة ترشح نفسه، لكنه لم يشر إلى عدم ترشح ابنه. صدقه البعض ولم يثق فيه البعض الآخر. أما فى واشنطن، فكان هناك انطباع بأنه ربما تهدأ الأمور نوعاً ما بعد خطاب الرئيس. كان الفرعون يعلن أخيراً أنه سوف ينسحب، وربما كان يحتاج قليلاً من الوقت لترتيب التغييرات التى كان يعد بها. لم يكن هناك معنى للضغط عليه لإنجاز ما وعد به سريعاً».
ويروى الكتاب تفاصيل المكالمة الأخيرة بين مبارك وأوباما وقت الثورة: «أوباما كان مصراً على التزام مبارك بكلمته. كان يريد أن يستوضح بالضبط ما الذى ينوى مبارك فعله لكى يتم الانتقال الديمقراطى بشكل حقيقى فعلى، ويبدأ على الفور. لم يكن أحد يريد أن تستمر الاحتجاجات لشهور فى شوارع مصر. واتصل أوباما بمبارك فى مكالمة استمرت 30 دقيقة. قال أوباما لمبارك فيها بأقصى ما لديه من احترام، إنه قائد خدم بلاده لزمن طويل، وملتزم بخدمته طيلة الوقت، لكن الأمور بهذا الشكل لن تتم. وقال أوباما لمبارك إن عليه أن يعجل بنقل السلطة وعقد لقاءات مع قادة تيارات المعارضة المختلفة. وحاول أوباما اللعب على وتر حب مبارك لبلاده، ملوحاً بأن من المؤكد أن آخر شىء يريده لبلاده هو عدم الاستقرار».
لكن مبارك رد على أوباما: «أنت لا تعرف شعبى، هم يعرفون أننى وحدى القادر على جلب الاستقرار فى مصر». فسأله أوباما: «ماذا لو كنت مخطئاً؟» رد مبارك: «أنت لا تعرف شعبى».. هنا قال أوباما: «دعنا نتحدث إذن مجدداً بعد 24 ساعة». لكن مبارك رفض: «لا لا، سوف نتحدث بعد بضعة أيام، وسوف ترى، سيكون كل شىء قد أصبح على ما يرام».
إلا أن أوباما لم يقتنع بكلام مبارك، يواصل الكتاب نقله لنص المكالمة التى دارت بينهما؛ قال أوباما لمبارك: «ربما كنت محقاً لكن ماذا لو كنت على خطأ؟ المخاطر عالية جداً بالنسبة لك أيضاً». كان أوباما يحاول إفهام مبارك أن استمرار الحال على ما هو عليه لفترة طويلة لا يعنى أنه سيستمر كذلك إلى الأبد. لكن مبارك أنهى المكالمة مردداً: «أقول لك إننى أنا من يعرف شعبى، أنت الذى لا يعرفه».
وكانت تلك هى آخر مكالمة بين مبارك وأوباما. وفى اليوم التالى، حدثت موقعة الجمل.
يقول الكتاب: «اتصلت هيلارى كلينتون بنائب الرئيس الراحل اللواء عمر سليمان. وكانت حازمة فى الرسالة التى نقلتها: «ما حدث أمر لا يمكن التسامح معه».. وطمأنها السيد عمر سليمان، أن هذا الموقف لن يتكرر وأنه ستتم السيطرة على العنف. إلا أن هيلارى ردت: «لا يمكنكم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. عليكم الإشراف على عملية انتقال حقيقى للسلطة، لا يمكنكم الاكتفاء بإجراء إصلاحات شكلية والاستمرار لعشر سنوات أخرى. التغيير الحقيقى لا بد أن يأتى، وبسرعة».
ويواصل الكتاب سرده للطريقة التى كانت الإدارة الأمريكية تتابع بها الموقف فى مصر: «كل يوم، كانت هيلارى تتجه إلى البيت الأبيض، لتلتقى وحدها مع أوباما أولاً. ثم كانت تلتقى مع روبرت جيتس، ثم مع مستشار الأمن القومى طوم دونيلون. ثم كانوا يجلسون جميعاً فى لقاء مشترك. كان أوباما يحيط نفسه بدائرة من المستشارين الذين يرون العالم من وجهة نظره، لكنه على مدى العامين الماضيين، صار يستمع بتركيز أكثر إلى هيلارى. كانت لديها هى وجهة نظر عملية حول ما يجرى على الأرض. وكان أوباما فى المقابل يسألها عن رأيها فى أمور السياسة الخارجية، حتى قبل أن ينتهى مستشار الأمن القومى من عرض تقريره عليه».
ويتابع: «كانت هيلارى بعيدة النظر فيما يتعلق بمصر. وكانت تضع عينيها دائماً على الصورة الشاملة. وحذرت بشدة من أن تتحرك الولايات المتحدة سريعاً فى هذا الأمر لتبدو وكأنها تتخلى عن حلفائها. كانت تؤمن بضرورة مساندة الشعوب، لكنها كانت هى أيضاً من وقفت قبلها بأسابيع فى الدوحة لتقول إن الخيار فى العالم العربى ليس بين الإصلاح أو الاستقرار ولكن بين الإصلاح أو الفوضى. والآن، صارت الفوضى تدق على الأبواب. وصار من الضرورى إدارة هذه الفوضى بشكل سليم».
لكن المال، هنا، كان عنصر الحسم فى تفكير هيلارى، لأن الديمقراطية بالطبع فى حاجة لمن يمولها: «لم تكن المسألة مجرد مسألة قيم ومبادئ، لكنها كانت أيضاً مسألة مال. كانت واشنطن تدرك جيدا أنه بعد أى انقلاب أو ثورة، فستكون هناك حاجة لتدفق الأموال لتغذية الاقتصاد. كانت الولايات المتحدة تعانى من أزماتها المالية الخاصة، وربما وجدت نفسها بعد الثورة المصرية تطرق أبواب السعودية طلباً لتدفق الريالات إلى مصر. ولم يكن من الحكمة استبعاد العم الثرى فى الخليج قبل الحصول على ما يمكن من أموال منه».
ووصل الكتاب إلى واحدة من أكثر المحطات غموضاً فى مسار الثورة، تلك الفجوة بين خطاب الرئيس مبارك يوم 10 فبراير، وإعلان تنحيه فى اليوم التالى له، يقول: «الغريب أنه أخيراً، وبعد أن ظل مبارك يضع إصبعه فى عين أمريكا متحدياً. وعد الرئيس المصرى الجيش أنه سيعلن استقالته فى خطبة يلقيها مساء 10 فبراير. كان الجيش يرقب متحفزاً اندفاع الجماهير فى الشوارع، شاعراً بأن سلطته هو نفسه تحت التهديد. وقال جنرالات الجيش المصرى للمسئولين الأمريكان إن كل شىء معد الآن لرحيل مبارك. وبناء عليه قال رئيس المخابرات المركزية ليون بانيتا للكونجرس الأمريكى إن هناك احتمالاً كبيراً بأن مبارك سيتنحى فى هذا المساء».
أما هيلارى، فيقول الكتاب إنها: «كانت مقتنعة تماماً بأن مبارك سيراوغ. كانت ترى أن خطبه فى الأيام الأولى للثورة، غامضة ومبهمة بشكل جعلها لا تتوقع الكثير من الخطبة المنتظرة. وخلال دردشة لها مع معاونيها، قالت هيلارى إنها ببساطة لا يمكنها أن تتخيل «أن هذا العجوز سيقف ويقول: أنا راحل. هذا ببساطة أمر لا يجرى فى دمه».
ويواصل «وشاهدت هيلارى خطبة مبارك من مكتبها بالدور السابع فى البيت الأبيض. على شاشة التليفزيون الذى يقبع عادة ساكناً بالقرب من الجدار الخشبى فى الركن الأيمن من مكتبها، لكنها شغلته لتشاهد عليه هذه اللحظة الخاصة. واستمرت خطبة مبارك لسبع عشرة دقيقة دون أن يفهم أحد ما الذى يريد قوله. واشتعل التحرير من جديد. وعندما سألت المسئولين الأمريكان وقتها عما إذا كان خطاب مبارك مرضياً بالنسبة للولايات المتحدة، قال لى أحدهم: ما زلنا نحاول فك ألغاز كلماته!».
«كان مدير المخابرات المركزية، الذى بدا فى تلك اللحظة فى صورة الأبله الذى يستقى معلوماته من وسائل الإعلام، يعرف جيداً أن مبارك وعد بالفعل بالاستقالة لكنه نكث بوعده. أما أوباما نفسه، فشاهد خطاب مبارك يوم 10 فبراير على متن الطائرة الرئاسية فى طريقه عائداً من ولاية ميتشيجان للبيت الأبيض».
ويروى الكتاب شكل الاتصالات بين الولايات المتحدة والجيش المصرى قبل تنحى الرئيس بيوم: «وفى مساء ذلك اليوم، اتصل وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس بوزير الدفاع المصرى وقتها المشير حسين طنطاوى، وقال له إن الوضع الآن فى مفترق طرق خطر. وأن على مبارك أن يرحل. والجيش عليه مسئولية تدارك الموقف والإسهام فى إدارة عملية انتقال السلطة. وأعلنت الولايات المتحدة استعدادها لدعم الجيش المصرى فى القيام بأمر لم يفعلوه من قبل: إطلاق العملية الديمقراطية فى مصر».
ويرى الكتاب أنه: «كان هناك كثيرون فى الإدارة الأمريكية يشعرون بقلق من أن الجيش المصرى سيبذل كل ما فى وسعه للحفاظ على سلطاته وامتيازاته الخاصة. ولم تكن واشنطن قادرة على تخيل حجم المشكلة التى يمكن أن تنشأ عن ذلك لو تم. كانت البلاد ستغرق فى حالة كاملة من الفوضى لو لم تتم تهدئة الجماهير ويحصل الشعب على ما يريده. وكان الجيش المصرى هو أمل وملجأ واشنطن الوحيد».
ويتابع: «أما جنرالات الجيش أنفسهم، فكانوا مرهقين ومتوترين وفى غاية القلق من إراقة الدماء. كانوا قد تفادوا إطلاق النار على المتظاهرين، وقبّل الناس الجنود والضباط فى الشوارع. لكن كان من الممكن أن يضيع ذلك كله فى غمضة عين. وظل الجنرالات يوازنون بين الخيارات المطروحة أمامهم طيلة الليل ونهار اليوم التالى: كان مبارك رجلاً عسكرياً، امتد حكمه لثلاثة عقود. ولم يعجب الجنرالات أن الولايات المتحدة توجه لهم النصائح، لكن، لم يكن أحد راغباً فى تفجير الموقف كله».
«لكن مبارك بالفعل، لم يكن قادراً على أن يعلن رحيله، فأرسل من ينوب عنه فى النطق بالكلمات المحتومة. وفى يوم 11 فبراير، الساعة 11 بتوقيت واشنطن، السادسة مساء بتوقيت القاهرة، كانت هيلارى كلينتون تدخل إلى البيت الأبيض لتحضر اجتماعاً عاجلاً فيه، بينما فى مصر، وقف نائب الرئيس الراحل، اللواء عمر سليمان، بأعوامه الخمسة والسبعين، مواجهاً الكاميرات، ومعلناً بوجه شاحب كوجوه الموتى، تفويض الرئيس صلاحياته للقوات المسلحة. ومنهياً تصريحه المقتضب بقوله: الله الموفق والمستعان».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.