هذا طبعاً عنوان صارخ، يروق بامتياز لطائفة كبيرة من البشر، ترى أنها الأفضل والأرقى والأحق بالجنة على الأرض وفى السماء من كل هؤلاء الكافرين الذين لا يشبهونهم. قائمة التكفير عندهم مرنة تبدأ أولاً بالأديان المخالفة، وبالتالى فأصحابها فى عرفهم كفار وعليهم اللعنة وينبغى محاربتهم أو فى أضعف الإيمان إبعادهم، هذه الطائفة التى رأت فى نفسها أنها يد الله فى الأرض تُشرّع قانونها الخاص وتطبقه؛ فالمرأة -وهى موضوع أساسى لديهم- عليها أن تكون منتقبة، ولا حيلة لها، عليها فقط أن تكون مجرد كائن مخلوق لإشباع شهوة الرجل بكل السبل. أما الطفل فعليه أن يتدرب من صغره على تقبيل كفوف الكبار باعتبار هذا السلوك نوعاً من التدريب على مبدأ السمع والطاعة، فالشكل والأداء هنا مهمان أكثر من إخلاص القلب. * المفارقة تبدو محيرة عند هؤلاء الذين يعتبرون أن الغرب كافر وأن علوم الغرب كافرة بالضرورة، رغم أن البعض منهم يتشدق فى المجالس بأن ابنه -مثلاً- خريج تلك الجامعات الغربية «العريقة»، التى ستلبسها العراقة مؤقتاً لأن «المحروس» درس فيها، ولا مانع من حصوله على جنسيات هذه البلدان الملحدة. ليس هذا فقط، بل يتحدث هؤلاء عن نعم التكنولوجيا التى اقتنوها ولم يصنعوها؛ فيحدثك أحدهم عن أحدث موبايل، يغير لك رناته بما لا يخالف شرع الله. يقتنى أحدث موديلات السيارات وكل الأجهزة الغربية الحديثة، لكنه يسب الغرب على الملأ وفى المجالس. يرتدى أحدث الصيحات والكرافتات والأحذية والساعات. ومع ترديده لبعض المحفوظات دون تفكير، يشعر أنه قد كسب الشرق والغرب فى ضربة واحدة، وأن هؤلاء الكفار قد سخّرهم الله خدماً لمصلحته، وكأنهم هم المجبرون على عرض منتجاتهم أمام طلبه! * من أعقد القضايا فى مثل هذه البلدان هو الطاقة اليومية البشرية المجانية المستنزفة فى التركيز على الملابس، خصوصاً زى المرأة، ماذا عليها أن تلبس لتلقى قبول أهل بيتها أولاً، ثم الناس فى الشارع، ثم فى محل العمل. تظل المرأة مشغولة بهاجس ملبسها أكثر من أى شىء آخر، والمثير للدهشة أن الرجل أيضاً يظل مشغولاً بالتبعية بما تلبسه المرأة فى الشارع أو فى محل العمل. ينادى فى كل محفل وأمام كل ميكروفون بوجوب ارتداء الزى الذى يراه دينياً من وجهة نظره، ويدعو إلى الفضيلة، وضرورة التحدث إلى المرأة من خلف حجاب، وعلى عكس ما يجاهر به، نجده يتلهف لرؤية السافرات منهن، ويتزوج من الراقصات والغانيات سراً، ويُضبط فى أوضاع مخلة بالأخلاق مع فتيات صغيرات على الطرق الزراعية! المجتمع الصحى الذى يرى المرأة مواطنة مثلها مثل المواطن، تسير فى الشارع العام وتعامل فى العمل بشكل وقور، وتبقى فى عزوة الأغلبية العادية ضد القلة الخبيثة، يمكن لها فى هذا المجتمع أن تنتج أكثر، فالطاقة التى تبذلها المرأة للتخلص من سخافات الشارع العام من تحرشات لفظية، أو فى المواصلات العامة من تحرشات باللمس وما هو أكثر، ثم فى العمل مجدداً، ستكون بالتأكيد منهكة نفسياً ولن تستطيع أن تقدم كل ما لديها بكفاءة؛ لأنها منذ خروجها من بيتها تضطر لأن تتحول لكائن آخر نزل إلى غابة وحوش، وعليها أن تكتسب مناعات مؤقتة وأخرى دائمة لمجابهة بيئة طاردة. والرجل أيضاً يستنزف نفسه فى تناقضه كمطارِد للفرائس، وكمذنب وكمدافع عن الفضيلة! * فى مقابل هذه الطائفة الكارهة للغرب، هناك طائفة فى الغرب تكره الشرق «الإرهابى» فى الإجمال بطريقة شبه متوازية، يختلفون فقط فى أنهم لا يُكفّرون أهلهم وملّتهم ولا يطالبون بحل دمهم؛ وهناك فارق عظيم! (جراتس، 14-3-2013)