عقارب الساعة تشير إلى الثامنة مساء.. بينما يترجل عم شحاتة فى طريقه لمنزله بعد انتهاء يوم عمله.. فى البساتين.. يخترق صمت الطريق صوت بكاء طفل صغير.. ويعقبه عويل كلاب ضالة.. لم يكن شحاتة لينتبه لتلك الأصوات إلا بعد التأكد من أن مصدرها «مقلب زبالة».. يعثر على الطفل ذى السنوات الثلاث ويقرر تربيته لكنه يدفع ثمن ذلك مطاردة الشرطة والنيابة لإيداع الطفل دار رعاية، فيترك منزله ويصر على تربيته أو العثور على أسرته. «عمر» ليس اسم الطفل الحقيقى، فالرجل الذى عثر عليه هو الذى اختاره له، بعد أن فقدته أسرته فى ظروف غامضة، وحاولت أكثر من أسرة الظفر به وادعوا أنه ابن لهم، لكن التحاليل أثبتت عكس ذلك، ففى الجانب الذى يجلس فيه عمر مع أسرة شحاتة، هناك جانب آخر مجهول تعانى فيه أسرته لا تعلم أين هو، ولا كيف يعيش. يقول «شحاتة محمد» 45 سنة مقاول.. «أنا من حوالى 40 يوم.. كنت راجع من الشغل متأخر.. كانت حوالى الساعة 8 بالليل.. أنا بشتغل «مقاول» فى تشطيب الشقق.. وساكن فى منطقة عزبة النصر فى البساتين.. سمعت صوت عيل صغير بيعيط وصوت كلاب رايحة جاية بصيت كده واكتشفت أن الصوت بتاع الواد خارج من مقلب زبالة، دخلت أشوف فيه إيه لقيت عيل قاعد بيعيط».. يروى شحاتة ل«الوطن» قصته مع الطفل الذى اعتبره ابنا له فيما بعد. يكمل شحاتة «سألت الواد مالك يا حبيبى وإيه اللى جابك هنا؟؟.. قال لى إن فيه راجل ركبه العربية قلت له مش راكب بس هو ركبنى ورمانى فى الزبالة وضربنى، وبعدها خدته معايا نام عندى فى الشقة بتاعتى مع أسرتى المكونة من 3 أفراد وهى شقة صغيرة أوضتين وصالة وحمام واليوم ده نام فى حضنى». رحلة عمر التى لا يعلم عنها شيئا، شهدت فصلا جديدا فى اليوم التالى لعثور شحاتة عليه، فدخل قسم الشرطة، ربما للمرة الأولى فى حياته، حيث أخبر شحاتة المأمور بالواقعة، وأنه عثر على الطفل وتم الإعلان عنه فى عدد من الأماكن حتى فى مكبرات المساجد، وعندما لم تظهر أى بوادر للأمل، طلب المأمور من شحاتة استضافة الطفل لديه، حتى يدبر أمره، فظل الطفل فى منزله الجديد المؤقت أسبوعا كاملا تلقى خلاله شحاتة، الذى نشر صورة للطفل وعليها رقم هاتفه، أكثر من 26 اتصالا هاتفيا من عدة أسر فى العديد من المحافظات. ويتابع شحاتة: «اخترت اسم عمر للطفل علشان أثناء ما كانت الناس بتتصل بىَّ ويدونى أوصاف أبنائهم تأثرت بقصة شخص من أسيوط قالى إن ابنه اتخطف من قدام العمارة وإن اسمه عمر أشرف عبدالرحمن، وحكايته تقطع القلب وأهله مش عارفين يناموا من يوم ما ضاع منهم، وبعدها عرّفت زوجتى وأبنائى زينب ومحمد.. إن ده أخوكم واسمه عمر وهما رحبوا بيه». ذهب الطفل «عمر» إلى مدينة الإنتاج الإعلامى بصحبة عم شحاتة، واستضافهما مذيع فى قناة الرحمة الفضائية وقال خلال الحلقة إن هذا الطفل تم العثور عليه بمنطقة البساتين، ووردت اتصالات من 3 أسر من أسيوط والشرقية والقليوبية وحضروا فى اليوم التالى لقسم السيدة زينب وحاولوا جميعهم أن يقنعوا المأمور أن الطفل نجلهم، لكن الطفل لم يتعرف على أحد منهم فهددهم بأنه سوف يحرر محضرا بالبلاغ الكاذب، مما دفع الأسرتين للتراجع وتمسكت الثالثة بأنه نجلها، وأجرت النيابة تحليلا طبيا أثبت كذب رواية تلك الأسرة. حاول شحاتة البحث عن دار رعاية تقبل الطفل وتحافظ عليه «أنا خفت على عمر قوى ورحت بيه دور رعاية كتير بس كل مرة كانوا بيرفضوا بحجة سنه وإنه مش مريض لما لقيت الرد كده قررت أربى الواد لغاية ما ألاقى أسرته الحقيقية». لم يسع شحاتة للبحث أكثر من ذلك، واقتنع بتربية الطفل، وتبنيه، لكنه فوجئ بمأمور القسم يخبره أن وكيل النيابة طلبه، فذهب له بالطفل، لتصدر النيابة قرارا مكتوبا فيه «الطفل اللقيط -يقصد عمر- يتم إيداعه فى دار رعاية ويسمى اسم عربى مسلم»، يقول شحاتة « أنا كنت هتجنن حضنت عمر قوى وقلت لنفسى أنا مش هسيب عمر لحد وهربيه، وبعدها بيومين خدت أسرتى وعمر وسيبنا البيت والبساتين والقاهرة كلها علشان خاطر الواد يتربى تربية كويسة، ده بقى يقولى يا بابا.. بس النيابة بعد كده أصدرت أمر ضبط وإحضار ورفعت جنحة مباشرة ضدى علشان أسلم عمر». الأمر الواقع فرض نفسه على الطفل وعلى عم شحاتة أيضا.. فكلاهما تعلق بالآخر، واعتبره جزءا من حياته.. «عمر ده بن ناس وناس أغنيا كمان.. أنا شفت جسمه لقيت مكان تطعيم وزارة الصحة.. وطلباته فى الأكل كلها تدل إن ده واحد متربى.. بيحب البطاطس.. الرز.. والملوخية.. واللحمة.. أنا مش هفرط فيه.. ورجعت ألف فى المحافظات عليه وأقوم بلصق منشورات عليها اسمى وبياناتى وأطلب من الناس البحث عن أسرته». أنا مش باتحدى النيابة ولا الداخلية أنا عايز عمر يتربى كويس.. ويتعلم أحسن تعليم.. أصلا أنا أول من عمل وقفة احتجاجية فى مصر.. فى الألفينات كان فيه بيان غلط لىَّ فى السجل المدنى.. أصل أنا وحيد ماليش إخوات «رجالة» لىَّ أخت بس ومكنش لىَّ جيش.. بتاع السجل المدنى سجل البيانات أن لىَّ أخ مش أخت.. وطلبونى فى الجيش.. وأنا علشان أفض المشكلة.. رحت رايح قدام مجلس الشعب.. وأخدت مراتى وأمى وعملت وقفة احتجاجية.. لحد ما البدرى فرغلى كان فى الفترة ديه عضو مجلس شعب شافنى بعد يومين من الاحتجاجات.. هو واللواء حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق.. وحلوا المشكلة بتاعتى.. أنا كافحت كتير أوى فى حياتى.. وهفضل أكافح لحد ما أربى عمر.. أو أوصل لأسرته.