يصور «أهل كايرو» مدينتهم «الفاضلة» بأنها على درجة من التحضر والتحرر وقبول التعددية الثقافية والاجتماعية والدينية، وأن هؤلاء الريفيين غزوها وقضوا على الأخضر واليابس فيها تكشف «جُمع» الإسلاميين «الثورية» بجلاء، التركيبة الاجتماعية الداعمة لهذا التيار، جمهور ريفى يتحرك للتحرير -وكافة ميادين المدن - فى أتوبيسات من كافة قرى مصر، بعضهم جاء بأسرته النووية أو الممتدة، رجال ونساء وأطفال يحملون أكياسا وعلبا بلاستيكية وأوانى طعام وزجاجات ماء لقضاء اليوم كاملا وحتى السادسة مساء فى الميدان دعما «للإخوان» أو «السلف»، الكتلة الثانية المشابهة فى هذه «الجُمع» هى ممن طردهم فقر الريف ودفعهم لمغادرة محافظاتهم الريفية بحثاً عن الرزق فاستقروا على أطراف المدن ومناطقها العشوائية وأحيائها الفقيرة ضمن ما يعرف بظاهرة «ترييف المدن»، أو ظاهرة التراقص السكانى، حيث ينتقل بعضهم يومياً من القرية للمدينة، ليس لدى أدنى تردد أو شك فى اعتبار عشرات بل مئات الآلاف الذين توافدوا للميادين فى هذه «الجُمع» بمثابة الخروج الثانى أو الثورة الثانية للمصريين بعد ثورة 25 يناير، ثورة الريف على المدن، عادة ما يعجز هؤلاء الريفيون عن الاندماج فى مجتمع المدينة ومنظومة قيمها الحديثة وسرعة إيقاعها والأهم نتيجة لغطرسة سكان المدينة الأصليين، ما يدفعهم للاحتماء بجماعاتهم الريفية، فى مناخ نفسى واجتماعى يستدعى منظومة قيم ثقافية تساعدهم على التماسك واستعادة الثقة، كما تدين ثقافة «أهل كايرو» الظالمة بقدر ما تشيد بثقافة الريف «الأصيلة» المغلفة بالتدين بالضرورة، هذه الفئات هى التى ارتاحت للتصور السلفى -بتنويعته الإخوانية المتسلفة- وهى ذاتها التى سبق أن أنتجت لنا «السلفية الجهادية» قبل ذلك، فى المقابل يصور «أهل كايرو» مدينتهم «الفاضلة» بأنها على درجة من التحضر والتحرر وقبول التعددية الثقافية والاجتماعية والدينية، وأن هؤلاء الريفيين غزوها وقضوا على الأخضر واليابس فيها، ما دفعهم لمغادرة مدينتهم التى تريفت إلى مدنهم الجديدة فوق الهضاب الجافة حول القاهرة القديمة، وبينما نزل مرسى إلى الميدان بعد تأهله لانتخابات الإعادة لاستقبال جمهوره من الريفيين القادمين لدعمه، اختار شفيق أن يعقد مؤتمره فى أعلى نقطة لهضبة القاهرةالجديدة وفى أرقى فنادقها العالمية محاطاً بقصور الطبقة الراقية والكومباوندات المسيجة بأسوار «نفسية» عالية لا مبرر هندسى لها. يشعر «أهل كايرو» من أبناء الطبقة العليا ذات الأصول الإقطاعية والبيروقراطية بنوع من عدم الألفة مع الصورة الاجتماعية - الثقافية الريفية لمرشح الإخوان محمد مرسى، فى المقابل يجسد مرسى فى نظر أهالى الريف ومُتريفى المدن صورة الريفى العصامى الذى تفوق ووصل لأعلى المناصب الأكاديمية وأعلى مكانة سياسية، وعلى الجانب الآخر لا يرتاح الجمهور الريفى لجمود وغطرسة أحمد شفيق الذى يجسد ل«أهل كايرو» صورة تدمج خيالات برنسات ما قبل يوليو بخيالات السلطة العسكرية بعدها. لأستاذ العلوم السياسية الأمريكى إدوارد بانفيلد جيم كتاب مهم يشرح فيه أهمية نشوء غطاء أخلاقى (مدنى أو دينى) للمجتمع المتخلف الذى يتمحور حول العائلة أو الجماعة أو شلة المصالح فى المدن أو الريف، كل بما يناسبه، ويكاد وصفه للمجتمع المتخلف ينطبق على حالتنا المصرية الراهنة، فهو مجتمع يضحى بالصالح العام من أجل المحسوبية، ويتسم أفراده بالحسد والريبة والشك ورفض مساعدة الآخرين بل ومحاولة عرقلة نجاحهم الذى هو بالضرورة ضد مصالحهم، وبالتالى يعجزون عن العمل معا من أجل حل المشاكل المشتركة. أخيراً لا تجد الشرائح المثقفة من الطبقة الوسطى المدينية مرشحها فى انتخابات الإعادة بعد غياب صورته المدنية (صباحى) وصورته الإسلامية المعتدلة (أبوالفتوح)، هذه الطبقة التى فجر أبناؤها شرارة ثورة 25 يناير لا تعجبها صورة غطرسة وجهاء المدينة المتحكمين فى البلاد عبر أجهزة الأمن والجهاز البيروقراطى للدولة، كما لا تعجبهم صورة مرسى التى تعبر عندهم عن خبث وتذاكى أهل الريف ممن يجيدون تسطيح القضايا وتسويف الوقت والتهرب من أى التزام.