ماذا يقرأ المصريون؟ وما نوعية الكتب التى تسكن فى دوائر اهتماماتهم؟ وما الموضوعات التى يبحثون عنها بين أرفف الكتب؟.. أسئلة كثيرة تدور فى الواقع الثقافى وفى سوق النشر، ولا يملك أحد إجابة حقيقية واضحة لها، فما بين قوائم الأكثر مبيعاً التى تصدرها دور النشر الكبرى بشكل ترويجى لإصداراتها، بجانب استبيانات لا تغطى مساحات كبيرة من أعداد القراء، يقف المراقبون لسوق النشر عاجزين عن تكوين رؤية واضحة تستند إلى أرقام حقيقية تجيب عن سؤال: ماذا يقرأ المصريون؟ يقول الأديب يوسف القعيد: «للأسف لا توجد دراسة ميدانية حقيقية توضح اتجاه القراء المصريين فى اختيار نوعية الكتب التى يقرأونها، وأذكر أننى على مدار عمرى لم أر دراسة واضحة إلا فى منتصف الستينات عن طريق مؤسسة كانت تابعة ل«دار المعارف» أخرجت دراسة عن نوعية الكتب التى يقرأها المصريون، وتضمّنت كذلك تصنيفات للفئات العمرية التى تُقبل على القراءة، وأذكر أننى طلبت من الدكتور سمير سرحان، وقتما كان رئيساً لهيئة الكتاب منذ حوالى عشر سنوات، أن يتم إجراء استبيان لرواد معرض القاهرة الدولى للكتاب، يمكن من خلاله رصد اتجاهات القراءة لدى الجمهور، ونوعية الكتب التى يقبلون على شرائها ويفضّلون اقتناءها، حتى نتمكن من امتلاك قاعدة بيانات محدّدة لذلك، ولكنه أخبرنى أن ذلك يحتاج إلى عبء مادى يقرب من خمسة ملايين جنيه لا يمكن للهيئة وقتها أن تتحمله». وأضاف: «هذا الدور أتصوّر أن اتحاد الناشرين المصريين واتحاد الناشرين العرب هما اللذان من المفترض أن يقوما به لتحديد أكثر الأشكال إقبالاً فى سوق الكتب، وكذلك دور النشر الكبرى التى تكتفى فقط بإصدار قائمة ترويجية لأكثر الكتب مبيعاً من إصداراتها فقط، ولا تهتم بالانضمام إلى كيان مثل (مؤسسة التحقق من الانتشار) فى إنجلترا، التى تشترك فيها معظم الصحف ودور النشر العالمية إلا المصرية والعربية، التى يتم من خلالها قياس حجم الانتشار فى أسواق النشر، وحتى تلتفت دور النشر إلى مثل هذا الأمر ستظل أى انطباعات عن حجم الإقبال ونوعية الكتب التى يقرأها المصريون مجرد اجتهادات فردية لا يمكن الاستناد إليها». الدكتورة فاطمة البودى صاحبة إحدى دور النشر أكدت أن غالبية القراء فى العامين الماضيين على وجه التحديد توجّهت اهتماماتهم نحو الكتاب السياسى بكل أنواعه، خصوصاً تلك الكتب التى تتناول تاريخ جماعة «الإخوان» أو تنتقد سياساتهم فى الفترة الأخيرة. وأضافت: «أصبح القراء يميلون إلى الكتاب السياسى بشكل كبير، بعد أن اتسعت مساحة الوعى السياسى لديهم نتيجة تعاقب الأحداث ورصدها من خلال برامج (التوك شو) والصحف اليومية، وجاءت فى المرتبة الثانية الروايات الأدبية، خصوصاً المترجم منها، وذلك نتيجة وجود بعض التخبُّط فى الواقع السياسى أدى إلى محاولة هروب القراء من الواقع إلى الخيال». وفى نفس السياق، أعلنت دار «الشروق» قائمة أكثر الكتب مبيعاً من إصداراتها فى العام الماضى، التى تصدرتها الأعمال الأدبية بنسبة كبيرة، حيث ضمّت «الفيل الأزرق» لأحمد مراد، و«28 حرف» لأحمد حلمى، و«تراب الماس» لأحمد مراد، و«الإسلام بين الشرق والغرب» للدكتور عزت بيجوفتش، و«ظل الأفعى» و«عزازيل» و«محال» ليوسف زيدان، و«من داخل الإخوان المسلمين» ليوسف ندا، و«قصر الكلام» لجلال عامر، و«قصة الاقتصاد المصرى» لجلال أمين. أما الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، فيقول: «نحرص فى الهيئة على إجراء استطلاعات رأى للقراء لمعرفة اهتماماتهم فى القراءة فى حدود الإمكانيات المتاحة لنا لإجراء مثل هذا النوع من الاستطلاعات التى تحتاج إلى ميزانيات كبيرة بالفعل لتنفيذها على أكمل وجه، فقد توصلنا إلى نتيجة استبيان تم توزيعه على جمهور معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته التى انتهت قبل أسبوعين وتصدّرت فيها الكتب الدينية اهتمامات رواد المعرض بنسبة 25%، تليها الكتب التاريخية بنسبة 22%، وفى المرتبة الثالثة جاءت الكتب السياسية بنسبة 17%، ثم الكتب العلمية بنسبة 11%، والروايات والقصص بنسبة 9%، وأخيراً الشعر بنسبة 7%». وأضاف: «أجرينا أيضاًً استفتاءً بين رواد صفحة المعرض على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك) شارك فيه 778 قارئاً، وجاء الكتاب الدينى أيضاً فى المقدمة ب210 أصوات، وفى المركز الثانى حلّت الكتب الأدبية وحصلت على 147 صوتاً، تلتها الكتب الفكرية ب116 صوتاً، والكتب العلمية ب98 صوتاً، والسياسية 57 صوتاً، والكتب المتخصصة 57 صوتاً، والتاريخية 46 صوتاً، وكتب الأطفال 25 صوتاً، وأخيراً كتب الفنون ب22 صوتاً». ويعلق الأديب سعيد الكفراوى على واقع واهتمامات القراء اليوم قائلاً: «أرى أن ما جرى من متغيّرات منذ قيام الثورة فى المرحلة التى أعتبرها انتقالية بسبب غياب الأسئلة والأجوبة وانتشار الفوضى، كان من نتائجها السلبية الإضرار بالواقع الثقافى فى المقام الثانى مباشرة بعد الإضرار بالاقتصاد، حيث توقّفت حركة النشر والثقافة التى كانت نشطة إلى حد كبير فى زمن (الفلول)، وغابت القراءة والكتابة إلا النذر اليسير منها، وطفت على السطح مجموعة من الكتب التى تحمل شعار الثورة، أغلبها فى غاية السذاجة، وتخرج عن سياق الحدث وفهمه، وأعتبرها مقصورة فى التعبير عنه، وأصبح المصريون ينجذبون أكثر إلى (ميديا الصورة)، التى تستهلكهم فى أكبر قدر من الكلام المتناقض والمتضارب الذى لا يعبّر عن طبيعة اللحظة، وتصدر الموضوع السياسى وغابت كل مظاهر العلوم الإنسانية المفيدة للعقل». وعن تصدّر الكتاب الدينى نتيجة استبيان معرض الكتاب، أضاف: «الهيئة المصرية العامة للكتاب لا تسعى للترويج بقدر ما تحرص على أن تكون عيناً راصدة لما يجرى فى الواقع، لذلك أثق فى نتائج استفتاءاتها، التى تعكس أننا أصبحنا نعيش عصر الكتاب الدينى الخرافى الذى تتعلق موضوعاته بعذاب القبر والثعبان الأقرع، وما إلى ذلك من موضوعات، بالإضافة إلى كتب الفتاوى التى انتشرت بشكل كبير، وأمام ذلك تغيب كتب وأفكار وإبداعات نجيب محفوظ ويحيى حقى والحكيم وأمل دنقل، والتى مهدت من البداية لما جرى فى ميدان التحرير، وهذه مأساة للأسف». أما الشاعر عبدالرحمن الأبنودى فيقول: «التجربة الفاشلة حتى الآن لجماعة (الإخوان) أدت إلى نوع من التراجع فى حركة القراءة الغزيرة والواسعة التى شملت العديد من الفروع غير الكتب الدينية وكتب الخرافات والبخت، ولكن بعد تساقط كثير من الأوهام حول الحركات الإسلامية ومستقبلها بعد أن فشلوا واقعياً فى إدارة شئون البلاد، أصبح لدى الجمهور حالة انتباه تجاه أدوارهم السياسية التى ينبغى أن يقوموا بها لحل الأزمات المتتالية بطريقة علمية ومعاصرة، وكل هذا أدى إلى الانكماش فى استهلاك الكتب الدينية، وكان من الطبيعى أن تتجه الأيدى إلى نوعية الكتب السياسية، خصوصاً تلك التى تتناول ماضى الإخوان وجرائمهم». وأضاف: «ما زال هناك قصور فى قراءة الكتب الأدبية وأشكالها المختلفة، إلا التى تناولت ثورة يناير ووجدت رواجاً وترحيباً بين صفوف القراء، وأعتقد أن الشهور المقبلة ستشهد إقبالاً من جديد على نوعية الكتب الأدبية والعلمية، حيث سيبحث القراء عن سطور وأفكار تضىء لهم الطريق». وأخيراً يقول الناقد الأدبى د. جابر عصفور إن الكتاب السياسى هو المسيطر على سوق النشر خلال العامين الماضيين، خصوصاً كتابات الثورة ومذكرات المشاركين فيها وكتب المتمردين على «الإخوان» والمنشقين عنهم، يقول: «رواج الكتب المتصلة بالفكر الدينى ظاهرة قديمة ومستمرة منذ سنوات طويلة، ولكن الاهتمام بالكتاب السياسى تزايد وتصدّر بسبب حالة الإحباط التى شعر بها المصريون عقب تولى (الإخوان)، وإحساسهم بأنهم أعطوا ثقتهم لمن لا يستحقها، فباتوا يبحثون عن تفسيرات وحلول فى تلك النوعية من الكتب». وأضاف: «أتصور أيضاً أن الكتابات الأدبية تلقى رواجاً محدوداً باستثناء أشعار العامية التى تعتبر من الأشكال القريبة إلى وجدان وعقل المصريين باعتبارها أكثر حيوية وتعبيراً عن واقعهم».