يتجلى الإفلاس والاستعلاء السياسى لجماعة الإخوان فى نهم الاستحواذ المطلق على مفاصل الدولة والسيطرة على كل مؤسساتها مروراً بالبرلمان والقضاء والحكومة حتى الرئاسة فى عملية «أخونة» محكمة أخذت فى طريقها مفردات المجتمع المدنى للسيطرة على مراكز صنع القرار فى هذه المؤسسات، فى إطار خطط التمكين التى لم تعد سراً، لكن المدهش فى أداء الجماعة المتأسلمة هو وحشية إقصاء كل فصيل سياسى يختلف فكرياً مع منهج الجماعة فى السيطرة الفاشية على الدولة، تحت شعار «ولاية الخلافة الإخوانية»، حتى وإن كان هذا التيار الفكرى المعارض من داخل الجماعة نفسها، أو ما عرف باسم التيار الإصلاحى، الذى تم إقصاء كل أفراده بقوة جبارة فى خطط محكمة نُسجت فصولها بمكائد واستراتيجيات ماكرة للخلاص منهم، ثم القيام بعد ذلك بحملات تشويه عارمة ضدهم، بلا رحمة، حتى النزع الأخير للقضاء عليهم تماماً فى الشارع السياسى ومعتركه كمحمد حبيب وعبدالمنعم أبوالفتوح، كما بدا ذلك واضحاً حينما لم تتحمل الجماعة رموزاً إخوانية قضت سنوات طوالاً فى محرابها ك«أبوالعلا ماضى ومختار نوح»، ممن حاولوا أن يخرجوا من الأفق الضيق لحكم المرشد والقبضة العسكرية المتشنجة للتنظيم الخاص داخله إلى أفق أرحب من الديمقراطية، أو حتى مجرد إضفاء صبغة وطنية على خيال قيادات الجماعة، فكان مصيرهم الاغتيال المعنوى، حالهم فى ذلك حال شباب الجماعة الذين فصلوا من جنة دنياهم وآخرتهم فى جماعتهم لمجرد أنهم خالفوا التعليمات الصارمة الرافضة لمشاركة الإخوان فى الثلاثة أيام الأُوَل لثورة 25 يناير ليكونوا يداً بيد مع شباب الميدان يرسمون حلمهم الجديد، ورغم ذلك فهم ما زالوا يتشدقون بكل «تبجح» حتى الآن بأنهم صانعو الثورة، ويلوكون دماء شهدائها على موائدهم العامرة بكل صنوف الكذب والادعاء، وكأن من يحكم مصر اليوم مجموعة من الذئاب، فالذئاب إذا جاعت لا تعرف الرحمة ولا الشفقة، تهاجم أياً كان، فهى عندما تهاجم قطيعاً من «الخرفان» لا تكتفى بخروف واحد، بل لا تترك أرض المعركة إلا وقد أوقعت أكبر عدد من «الخرفان» ما بين قتيل وجريح، لا لطرد الجوع بل للإضرار بكل أشكاله، فقاد الذئب الأكبر الذى كان يمثل دور الحمل «البديع» بحديثه عن الديمقراطية والحريات والعدل والمساواة ويرفع شعار الثورة المجيدة كنبراس لقادتها فى الشارع حملة إبادة جماعية بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة لأكل لحم أبناء الجماعة ممن يملكون عقلاً يفكر وحلماً وطنياً يسكن قلوبهم، فالذئاب لا يرضيها إلا أكل اللحوم الحية، فحيكت ضدهم فى الغرف المغلقة فى وكر الإرشاد الفخاخ، الواحد تلو الآخر، لا فرق فى ذلك ما بين شاب لا ينتمى لجماعتهم وبين شاب تربى على أيديهم، فكل من يعلن أن عقله «جمهورية مستقلة» عن بيعة المرشد وفرضية الطاعة والولاء المطلقة لقبضته فهو مستباح من الذئب الأكبر وذئابه الصغار، لا حرمة لأحلامهم ولا لعقولهم، يسابقون الريح للانقضاض على كل من يقول «لا» لجوعهم للسلطة، فيسرقون آمالهم فى خزائنهم المتعطشة للدماء، ثم يتاجرون بمصر على حساب حريتهم ومستقبلهم، وإذا كانت الأمم عند حسن البنا، مؤسس الجماعة، صنفين لا ثالث لهما، أمة «إجابة» وهى التى دخلت فى الإسلام، وأمة «دعوة» وهى التى يجب أن تُدعى دوماً للإسلام، فإن الأمم اليوم عند بديع ومرسى وإخوانه هى أمة «إجابة» لمطامع الإخوان، وأمة «حرية» وهى التى يجب أن «تُدعى» دوماً على موائد الافتراس، فشهية الذئاب مفتوحة على لحم الوطن.