أفاقت السمراء.. وتمنت أن يمر اليوم بهدوء وسلام..فالعروس فى ريعان الشباب تنتظر ذلك اليوم منذ سنوات، وبعد أن تقرر لها العرس، بعد خلافات دامت على مدار قرابة الشهر، نالت الفتاة حريتها واستردت كرامتها.. من اليوم ستُزف إلى حياة جديدة.. إلى حلم جديد.. من اليوم ستعرف الحب.. ستعرف الحرية.. ستعرف الحياة. أحاط بها أهلها من هنا وهناك.. تهافتوا عليها.. غنوا باسمها.. وقفت بينهم فى فخر، فلأول مرة تدرك كم يحبونها ويتمنون رؤيتها فى ثوبها، هذا الثوب الأبيض الناصع.. وكم انتظروا هذا اليوم ليساندوها فيه..ويزفوها بأنفسهم.. تعالت الهتافات ودقات الطبول وأصوات الأغانى.. والسمراء تعد نفسها للعرس.. تكحلت.. تزينت.. وضعت طرحتها.. خرجت فى أبهى صورها.. لتسمع الدنيا دوى الطبول وأصوات الفرح ورنة خلخال السمراء.. لكن فجأة!! تحول الغناء إلى صراخ والهتافات إلى ضجيج ودقات الطبول إلى أجراس إنذار.. والثوب الأبيض.. لوثه الدم!!! دم؟ دم مَن؟!! وقفت السمراء تسأل فى ذهول؟!! وقفت.. صرخت.. غنت.. هتفت بينهم وبكت.. فالدم الذى كسا فستانها هو دم ابنها!! سالت دموعها المتكحلة على وجنتيها الحمراوين.. وما زالت تُسال هنا وهناك ولم تجد إجابة! ذهبت لمن هتفوا لها فى الصباح فلم تجدهم.. هرولت نحو مَن وقفوا خلفها وسألوا لحظة عن حق الدم..وجدتهم قد اختبأوا خلف لحاهم وقد شغلوا أنفسهم بكراسى الفرح وأضوائه.. ذهبت لمن لم يشاركها عرسها وجدت فيهم مَن لا يعرفها أبدا!! شقت السمراء عنها الثوب ورحلت.. مضت تاركة الفرح والغناء وزينة العرس لتضيع جميعا بين دم مهدر وهتاف ملون ومعارك لتقسيم زينة العروس.. رحلت وغابت السمراء.. غابت مصر!