يُعد ملف حقوق الإنسان فى مصر من الملفات الشائكة التى تدهورت بشكل سريع دون النظر إلى التكلفة التى يمكن أن ندفعها إذا وصم الملف المصرى بأنه يُشكل انتهاكاً جسيماً لحالة حقوق الإنسان فى مصر لأسباب كثيرة، فقضية التحفُّظ على أموال المنظمات الحقوقية التى صدر فيها حكم محكمة الاستئناف فى طلب قاضى التحقيق بمنع التصرف فى أموال منظمات ونشطاء حقوقيين كانت محل الحديث لممثلى الدول والمنظمات الدولية والإقليمية غير الحكومية أثناء الدورة 33 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، وهى تُجرى أعمالها هذه الأيام، ويبدو أن هناك اختياراً دقيقاً للتوقيت، لكى يكون صدور الحكم أثناء انعقاد اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، وأيضاً أثناء مشاركة الرئيس فى أعمال الاجتماع 71 للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبالطبع تضمّنت كلمات دول مهمة مثل ألمانيا وأمريكا وبريطانيا وغيرها مطالب واضحة بوقف الانتهاكات ضد منظمات حقوق الإنسان، كما أصدرت المنظمات الدولية تقارير وبيانات تُعرب عن القلق البالغ إزاء هذه الإجراءات التى تستهدف النشطاء والمنظمات الحقوقية، سواء بالتحفّظ على الأموال، أو المنع من السفر، أو استمرار التحقيقات، واحتمالات صدور أحكام بالسجن ضد قيادات هذه المنظمات. مصادر الخطورة تجاه حالة حقوق الإنسان فى مصر وفقاً للتقارير الدولية شملت عدداً من العناصر، منها الإجراءات القانونية ضد منظمات حقوق الإنسان، التى شملت كل المنظمات التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان فى مصر، والتى بلغت 42 منظمة، بعضها مسجل بوزارة التضامن، وبعضها أنشئ كشركات مدنية غير هادفة للربح أيضاً إعلان مجلس الوزراء عن الموافقة على مشروع قانون الجمعيات الأهلية تضمن الكثير من المواد المقيدة لعمل المنظمات غير الحكومية دون الأخذ فى الاعتبار ملاحظات المنظمات والجمعيات والاتحادات الإقليمية والنوعية التى سبق واتفقت جميعها على مشروع قانون الجمعيات الأهلية الذى أعدته اللجنة العليا للعمل الأهلى التى أنشئت بقرار الوزير أحمد البرعى، وزير التضامن السابق، والتى ضمّت أغلب قيادات العمل الأهلى والحقوقى فى مصر، وتضمّن القانون المقترح الكثير من المواد التى تُقيّد العمل الأهلى وتجعل الحكومة المسيطر والمهيمن على عمل المجتمع المدنى، حتى إن اللجنة التنسيقية المعنية بالأساس بالموافقة على المشاريع والتمويل الخارجى للجمعيات، وقد ضمت فى عضويتها خمس وزارات، هى الداخلية والعدل والخارجية والتضامن والتعاون الدولى، بالإضافة إلى هيئة الأمن القومى والبنك المركزى ومجلس الدولة. من المؤشرات السلبية أيضاً فى ملف حقوق الإنسان ما أعلنه النائب أنور السادات، رئيس لجنة حقوق الإنسان من عدم تمكين اللجنة من القيام بمهامها خلال الدورة الأولى لمجلس النواب حتى إن اللجنة لم تتمكن من زيارة السجون، رغم التقدُّم بطلبات لوزارة الداخلية، فضلاً عن الهجوم الشديد على أعضاء اللجنة لقيامهم بالسفر إلى جنيف والمشاركة فى أعمال منظمة سويسرية حول آليات اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، وأدى هذا إلى إعلان رئيس اللجنة استقالته من رئاستها. أيضاً تجاهل مناقشة قانون المجلس القومى لحقوق الإنسان خلال الدورة الأولى لمجلس النواب واستمرار التشكيل الحالى بقرار رغم انتهاء مدته وفقاً لقانونه، وتبنى مجلس الوزراء مشروع قانون مختلفاً تماماً عن المشروع الذى أعده المجلس القومى، والذى تبنى فيه المجلس معايير الأممالمتحدة التى تُعزّز استقلال وحياد المجلس القومى وتقوى صلاحياته لا سيما بعد أن منحه الدستور الجديد حق إبداء الرأى فى مشروعات القوانين التى تتعلق بحقوق الإنسان وقد تضمن المقترح الذى اعتمده مجلس الوزراء بنوداً تخل باستقلال المجلس وتُحد من قدرته على التحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان، وأهمها حق زيارة السجون وأماكن الاحتجاز بالإخطار. سجل مصر فى حقوق الإنسان يحتاج إلى اهتمام كبير من الدولة، لأنه يؤثر على صورة مصر الدولية وعلاقتنا بالمجتمع الدولى وندفع أثماناً كبيرة، دون أن تكون هناك أسباب حقيقية تدعو إلى ذلك.