هل صحيحٌ أن القبحَ لا يُحارَبُ إلا بالجمال؟ نعم، دون شك. هذا إيمانى. ودليلى العملى هو خروج أوروبا من انحطاطها الحضارى فى القرون الوسطى، على يد صنّاع الجمال من رسامين ونحاتين وشعراء وموسيقيين ومعماريين وعلماء وفلاسفة، انتشلوا بلادهم من العتمة ليقذفوا بها فى وهج التحضّر، بعدما نجحت فلسفة الإيطالى «فرانشيسكو بتراركا» فى ضخّ روح الإيجابية فى الإنسان، باعتباره كائناً مثقفاً خيّراً بطبعه، عكس ما نشره رجالُ الدين المسيحى آنذاك من كونه كائناً تعساً غارقاً فى الخطايا والشرور، ما كان يعطّل مواهبه ويكرّس روحَ الكسل والخمول فى انتظار الموت والحساب. من هنا إيمانى بحاجتنا إلى ثورة ثقافية جمالية تنويرية تبدّدُ اللحظةَ الراهنة التعسة، التى كقرون الظلام الأوروبية. ولن يكون هذا إلا بالجمال، خصيم القبح وهازمه، حسب مقولة تولستوى: «لن ينقذَ العالمَ إلا الجمال». ولذا، لا أصدقُ أنْ سيفوتُنى هذا الصالون الموسيقى الذى طويلاً انتظرتُه، ومراراً طالبتُ به، ودهراً أجّلتُ تهنئةَ نفسى لنفسى، إلى حين أُحصّل شيئاً من «الاستنارة» الموسيقية على مقاعد هذا الصالون وصاحبه د. فتحى الخميسى، عالم الموسيقى المصرى الشهير، الأستاذ بالمعهد العالى للموسيقى بأكاديمية الفنون، وأحد الفروع الطيبة من شجرة الإبداع الوارفة، الموسوعى: أ. عبدالرحمن الخميسى. مَن قال إن فى الأسفار سبعَ فوائدَ؟! السفرُ سيحرمنى من جلسة معرفية تنويرية لن تعوضها قراءةُ عشرة كتب فى النقد الموسيقى! صحيحٌ أننى ذاهبة إلى لون آخر من الجمال، حيث الشِّعر فى مهرجان نوروز (نيروز) عند جبال كردستان العراقية الساحرة، إلا أننى «طمّاعة»، إذا ما تعلّق الأمر بجنى ثمار الجمال. والموسيقى أمُّ الجمال، إن كان الشعرُ هو الجمال. السبت الثانى من كل شهر، سيكون موعد المصريين مع هذا الصالون المُلهِم بالمنتدى الثقافى المصرى (1101شارع كورنيش النيل خلف فندق شبرد)، وسط حشد من مثقفى مصر يتحلّقون حول الأستاذ، الذى يعرف كيف يمحو «أُميّتنا» الموسيقية، التى أخفقت وزاراتُ التعليم على مدار عقود فى محوها، مثلما أخفقتْ فى محو أُميّتنا التشكيلية كذلك. أشكرك أستاذنا أن أديتَ، أخيراً، واجبَك نحونا، نحن الذين لم ندرس الموسيقى ولكّنا دراويشُها. كم سألتك أن تكتب لنا عموداً أسبوعيا على الأقل، ننهل فيه فيضَ علمك، الذى ما كان لنا وإن درسنا الموسيقى الأكاديمية، لأن معرفتك مستقاةٌ من بطون الكتب الروسية التى لا نعرفها. كم سألتك وألححتُ، أن تنظّمَ صالوناً تحكى لنا فيه حكايا الموسيقيين الكبار وأسرارهم. وكم طالبتك بأن تُصادقنا على ذوى قُرباك من كبار الموسيقيين مثل برامز وبيتهوفن وباخ وتشايكوفسكى وفيفالدى وشتراوس. لماذا تقدّر شوبان ولا تعترف بموزار؟ ولماذا تختصمُ أم كلثوم وتراها أحد معاول هدم الموسيقى العربية عكس ما نرى جميعاً نحن غير المتخصصين؟ ما زال الأوروبيون يتهادون بتذاكر الحفلات الموسيقية، وكنّا مثلهم فى مصر الراقية قبل انحدارها منذ نصف قرن. لهذا، أُهدى كلَّ قرائى دعواتٍ لحضور هذا الصالون الراقى، علّ حضورَهم يخففُ عنى مرارةَ غيابى.