فرشة كبيرة رصت عليها أدواتها: أوراق وأقلام فلوماستر وجلست إلى جوارها تتشح بالسواد والحزن يملأ قلبها، كلما اقترب أحد شباب الميدان منها يسألها عن سر هذه الجلسة وهذه الأدوات، تبتسم فى وجهه وتقدم له الورقة والقلم.. وتقول له فى هدوء: «اكتب كلمة للشهيد.. وأم الشهيد».. يستجيب البعض لهذا الطلب لكن بعد سؤالها: «مين حضرتك؟».. فتجيب: «أنا أم الشهيد اللى ضاع حقه وعايزة الشباب يرجعوا له». كانت أم الشهيد صلاح إسماعيل، تظن أن أى حكم سيصدر ضد مبارك سيشفى غليلها، لكن جلسة النطق بالحكم فى قضية قتل المتظاهرين خيبت ظنها.. يومها استيقظت من الفجرية: «تقريبا مانمتش»، واتصلت بمحمد صابر -صديق عمر ابنها الشهيد الذى توفى على يديه- ليذهب إلى المحكمة بدلا منها، بعد أن اشتد المرض عليها، أوصته قبل أن يغادر: «ارجع وحق صاحب عمرك فى إيدك». قبل أن يعود إليها صابر بالنبأ سمعته من التليفزيون، يومها فقط بكت على ابنها، وشعرت أنه ضاع بلا ثمن، لم يملك الشاب صابر مواساتها، فهو مثلها مصدوم فى الحكم، فكر كثيرا وخرج بفكرة: «أم صلاح لازم تتكرم هى وكل أم قدمت شهيد للثورة». بادر صابر بإقامة أول معرض لأمهات الشهداء وسط الميدان، جمع كل الأمهات اللاتى يعرفهن، وأطلق مبادرته: «هيقعدوا كل جمعة يجمعوا على هذه اللوحات كلمات من المعتصمين موجهة للشهداء وأسرهم». فى قلب الميدان نصب صابر الخيمة لأم صلاح وأمهات الشهداء وإلى جوارها رص الأقلام واللوحات، لكى يكتب المارة للشهداء عبارات تكريم يتم تجميعها بعد ذلك فى معرض كبير، ومنطقه فى المبادرة: «ماعرفناش نجيب حقهم بالقانون على الأقل نكتبلهم كلمة حلوة». صابر قرر أن تكون أول كلمة له، فكتب لأم صلاح: «إن مت يا أمى ماتبكيش.. راح اموت علشان بلدى تعيش».