فالديمقراطية لا تعنى انتفاء الحق فى نقد قواعد الديمقراطية من أجل تطويرها.. وهناك فارق هائل بين الانقلاب على الديمقراطية والاعتراض على قواعدها غير العادلة مثقفون وإعلاميون وأنصاف مثقفين من رجال نظام مبارك شنوا حملة شرسة ضد كل من يعترض على نتائج الانتخابات الرئاسية، واتهموهم بالانقلاب على ديمقراطية الصندوق وإثارة الفوضى، بينما الحقيقة أن هؤلاء الفلول لم يحترموا يوماً الديمقراطية! لم يعترض المثقفون والكتاب الفلول على رفض اللجنة الانتخابية تطبيق قانون العزل على شفيق، وصمتوا على القرار الخاطئ بتحويل القانون للمحكمة الدستورية رغم عدم اختصاصها، فلجنة الانتخابات كان ينبغى أن تحترم السلطة التشريعية التى أصدرت القانون وأقره المجلس العسكرى. يتساءل خطاب المثقفين والكتاب الفلول لماذا قبل المرشحون باستمرار شفيق وخاضوا الانتخابات؟ الإجابة ببساطة أن موعد نظر المحكمة الدستورية فى قانون العزل لم يتحدد سوى من يومين، وكان من الصعب على أى مرشح أن ينسحب قبل معرفة موعد تلك الجلسة، فإذا افترضنا مثلاً أن أبوالفتوح انسحب اعتراضاً على عدم تطبيق قانون العزل، وبعد انسحابه بيومين اجتمعت المحكمة وقضت بدستورية قانون العزل، ما يعنى أن أبوالفتوح خسر فرصته. أعتقد أن الغموض والفشل فى المرحلة الانتقالية، وتباطؤ الدستورية فى نظر قانون العزل هو المتهم الأول بإرباك مناخ الانتخابات. الديمقراطية أيها المثقفون الفلول لا تعتمد على ازدواجية المعايير، وليست مجرد صناديق ولكن مناخ وثقافة وإجراءات واضحة، ومؤسسات راعية، وهى عناصر خلت منها العملية الانتخابية، صحيح أنه لا يمكن استكمال كل هذه العناصر فى بداية مرحلة التحول الديمقراطى لكن على الأقل لا بد من توافر الوضوح فى القوانين والإجراءات والسرعة فى حسم الطعون والاعتراضات. لقد طالبت القوى الديمقراطية بذلك، ونادت بتطهير القضاء الذى نجح نظام مبارك فى اختراق بعض أركانه. وطالبت بتعديل المادة 28 التى تحصن قرارات لجنة الانتخابات من الطعن القضائى، لأن هذا التحصين يتعارض وأبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان فى التقاضى. لم يقف المثقفون والكتاب الفلول مع القوى الديمقراطية فى مطالبها وصمتوا كعادتهم عن قول الحق، ولم يتحدثوا عن افتقار بيئة الانتخابات للعدل والمساواة بين المرشحين، فبعض المرشحين تجاوزت حملاتهم العشرة ملايين المسموح بها فى الدعاية الانتخابية، وبعضهم قدم الرشاوى واستخدم دور العبادة وأجهزة الدولة، إضافة إلى اختراق الصمت الانتخابى والتلاعب فى كشوف الناخبين وعمليات التصويت الجماعى. لكن المثقفين الفلول صرخوا باسم الديمقراطية عندما اعترض المرشحون الراسبون على هذه التجاوزات، وقالوا إنهم يعترضون لأنهم لم ينجحوا، ولا بد للجميع من احترام إرادة الناخبين ومن غير المقبول الانقلاب على شرعية الانتخابات وتشكيل مجلس رئاسى، فقد صارت ثورتنا فى طريق الشرعية بعد انتخاب البرلمان. والحقيقة أن الراسبين فى انتخابات الدول حديثة العهد بالديمقراطية هم الذين يعترضون، فالفائزون لن يعترضوا، وتسليم الخاسر بنتائج الصندوق يحدث غالباً فى الديمقراطيات العريقة التى استقرت فيها ثقافة ومؤسسات الديمقراطية، واطمأن الجميع لسلامة بيئة الانتخابات، لكن قواعد اللعبة الديمقراطية فى مصر لم تستقر أو تنل رضا كل الأطراف، لذلك وقعت أخطاء وتجاوزات رصدتها منظمات حقوقية وحملات المرشحين، وما تزال هناك جهود جارية لجمع وتوثيق الأدلة والبراهين، وهو سلوك مشروع ومن أبسط الحقوق الديمقراطية. وقد لجأ مرشحون إلى لجنة الانتخابات فلم تنصفهم، ولما لم يكن هناك إمكانية للطعن فى قرارات اللجنة فقد لجأوا إلى القضاء الإدارى، وهذا حقهم أيضاً. ولم يدعُ أى من المرشحين إلى التظاهر اعتراضاً على نتائج الانتخابات ولكن تظاهر المصريون احتجاجاً على الأحكام فى قضية مبارك، وانضم إليهم المرشحون، وهذا حقهم تماماً، وعندما طرح عليهم شباب الثورة التعاون وبحث فكرة تشكيل مجلس رئاسى، اجتمعوا وقاموا ببحثها وهذا سلوك مقبول ديمقراطياً، ولم يتضمن دعوة للتخريب أو عدم احترام نتائج الصندوق. تقديس نتائج الصندوق واختزال الديمقراطية فى إجراءات شكلية فارغة أمر مرفوض، خاصة أن الانتخابات أعيدت فى بعض تجارب التحول الديمقراطية فى أفريقيا نتيجة اكتشاف عمليات تزوير أو فى ضوء أحكام قضائية، فالديمقراطية لا تعنى انتفاء الحق فى نقد قواعد الديمقراطية من أجل تطويرها، وهناك فارق هائل بين الانقلاب على الديمقراطية والاعتراض على قواعدها غير العادلة أو التجاوزات فى ممارستها، وأنا شخصياً مع حق النقد والاعتراض، وربما يأتى حكم الدستورية العليا ليؤكد صحة ما أدعو إليه.