«القرية عايمة على مياه صرف صحى» تلك هى الجملة التى استقبلنا بها أهالى قرية «الخضرة» مركز الباجور بمحافظة المنوفية، ثم بدأت رحلتنا معهم داخل منازلهم الغارقة فى مياه الصرف الصحى، أحد الأطفال أشار ناحية حفرة مليئة بمياه الصرف الصحى، وقال إن صديقه سقط فيها منذ عدة أيام وإنهم تمكنوا من إنقاذه فى اللحظات الأخيرة، فيما ارتفع منسوب مياه الصرف فى مداخل بعض المنازل حتى صار من المستحيل على أى منهم دخولها. «إنا مبعرفش أدخل بيتى أصلاً» بهذه الجملة قاطعنا الرجل الستينى طالباً منا الذهاب معه إلى منزله لمعاينته «عشان ماتقولوش إننا بنبالغ» قالها مفسراً إلحاحه علينا بالذهاب معه، وما إن وصلنا إلى هناك حتى فوجئنا بمياه الصرف تغرق مدخل المنزل، مما اضطر الرجل وأسرته إلى استئجار منزل آخر بالقرية بعد أن طردتهم مياه الصرف من منزلهم ولم يعد لهم مأوى غير الشارع. جولتنا داخل القرية أكدت لنا أن الحال ذاته تعانى منه العشرات من بيوت القرية بعد أن ارتفع منسوب مياه الصرف الصحى داخلها فأغرقتها تماماً، فهجرها أهلها وأصبحت مأوى للحشرات والحيوانات الضالة، ولم يبقَ أمام جيرانهم إلا أن يلجأوا لسيارات «الكسح» حتى لا تغرق منازلهم هى الأخرى. وصول سيارة «الكسح» إلى القرية يعنى أن أهلها يستطيعون الآن التقاط أنفاسهم، ولكنه أيضاً يعنى أن طابوراً طويلاً فى طريقه إليها حتى يستطيع كل منهم أن يحجز دوراً له حتى يستطيع أن ينقذ بيته من الغرق. يقول خالد سليم، أحد أهالى القرية: «نضطر لاستئجار سيارة كسح لإزاحة مياه الصرف، وهذا يكلفنا ما يقرب من 40 جنيهاً فى المرة الواحدة، وأحياناً ما تغالى سيارات الكسح فى طلب المقابل مبررين ذلك بأنهم يواجهون صعوبة بالغة فى الدخول إلى القرية بسبب الهبوط الأرضى الذى نال من معظم شوارعها»، أما «زينب»، من أهالى القرية، فتقول: «أطفالى أصيبوا بأمراض حساسية الصدر بسبب رائحة مياه المجارى والحشرات التى انتشرت فى القرية كلها ولم يعد أمامى أنا وزوجى بعد أن يئسنا من إدخال الصرف الصحى لقريتنا إلا أن نجهز أنفسنا لترك القرية واستئجار أى منزل آخر خارجها». لم تقتصر أزمة الصرف الصحى فى القرية على غرق وانهيار المنازل فقط، وإنما زادت لتصل إلى غرق بعض الأراضى الزراعية التى تشتهر بها «الخضرة» والتى يرجع سبب تسميتها بهذا الاسم لكونها من أشهر المناطق زراعة للعنب، أخصب الأراضى الزراعية بالمنوفية، يقول محمد سعيد أحد أهالى القرية: «مشكلة ارتفاع المياه الجوفية أضرت كثيراً بالمحاصيل الزراعية الأساسية بالقرية، حيث إن ارتفاع منسوب المياه الجوفية يؤدى إلى ضعف النباتات المزروعة وقلة الإنتاجية من الأراضى وقدمنا آلاف الشكاوى لكن لم يستجِب لنا أحد». أما «عثمان» -أحد أهالى القرية- فيقول: «مشروع الصرف الصحى بالقرية متوقف تماماً، وكان من المفترض البدء بالعمل فى إنشائة قبل 5 سنوات على الأقل وتسليمه منذ 3 أعوام، هذا إضافة إلى ما نعانيه من إهمال فى مشروع الصرف الزراعى المغطى الذى يعمل على سحب المياه المتراكمة من الرى إلى الترع والمصارف لمنع ارتفاع منسوب المياه بشكل يضر بالمزروعات، لكن أياً من المشروعين لم ينفذ بعد». عبد الفتاح الدجوى، أحد أهالى القرية، يقول: «كانت هناك موافقة رسمية بإدخال الصرف الصحى لقريتا وثلاث قرى مجاروة لنا هى «كفر الخضرة والسمان وتلا» وقيل لنا إن الصرف الصحى سيدخل القرية فى 2010، وبالرغم من أنه تم إنشاء مبنى للصرف الصحى فى القرية، فإنه يستخدم الآن كمخزن لشون الرمال والزلط فيما تظل قريتنا غارقة فى مياه الصرف الصحى». تتذكر الحاجة سامية فريد يوم أن هرع الأهالى ناحية مسجد أمين درويش بالقرية بعد أن انهار جزء منه نتيجة تآكل أساساته من مياه الصرف الصحى، تقول السيدة الخمسينية: «إحنا مش عارفين نعيش بالحالة دى أبداً وكل واحد فينا بينام، وهو خايف يصحى على كارثة إن بيته أو بيت واحد من جيرانه بيقع، وكل الشكاوى اللى بعتناها واللى لسه بنبتعتها مخلتش حد من المسئولين يتحرك، يظهر لازم تحصل كارثة جماعية عشان يتحركوا من مكاتبهم». أخبار متعلقة: «كمشيش».. أحزان القرية المناضلة ضد الإقطاع ولاد العم والحكومة يتحدان ضد 50 ألف نسمة من أجل 50 جنيهاً