كان الاختراق المتتابع للدستور والقانون من جانب الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية سبباً رئيسياً فى حالة الانقسام التى تشهدها البلاد حالياً، وسواء نبعت هذه القرارات والإعلانات الدستورية من نبت أفكاره أو بإيعاز من جماعته وعشيرته، فقد أدت إلى حالة من فقدان الثقة لدى العديد من المواطنين، فالنظام الحاكم هو المسئول عن صيانة الشرعية الدستورية، وإذا جاز للحاكم أن ينتهك القانون فماذا تنتظر من المواطن البائس الذى شعر بالتهميش والإقصاء السياسى والتدهور المستمر فى الاقتصاد الذى انعكس فى إنهاك المواطنين بغلاء الأسعار وتدنّى مستوى المعيشة وارتفاع فى معدلات البطالة على نحو غير مسبوق وانتشار الجرائم فى وضح النهار واختلال القيم الاجتماعية وفقدان المثل العليا؟ فالابن يقتل أباه، والأم تبيع فلذات أكبادها، والمبانى تنهار على رؤوس سكانها، وأكوام القمامة تنتشر كالطاعون فى أرقى الأحياء السكنية، ومعدلات انتشار أمراض السرطان والفشل الكبدى والفشل الكلوى فى تزايد رهيب، والعدالة الاجتماعية التى كانت من أبرز مطالب الثوار مفقودة، فالأثرياء يزدادون ثراء، والفقراء يزدادون فقراً، ثم جاء تشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل الأولى والثانية بما تنطوى عليه من عجز تام، فهى حكومة بلا رؤية، ولم تحقق أى إنجاز يذكر فى أى مجال من المجالات، وإنما هى حكومة إدارة اليوم بيومه وحسب التساهيل، ففى ظل هذه الحكومة ازدادت معاناة الجماهير حيث ترتفع الأسعار بمعدلات غير مسبوقة، وهبط الجنيه المصرى إلى أدنى معدلاته أمام العملات الأجنبية وازداد عجز الموازنة وتقلص الاحتياطى النقدى من 36 مليار دولار يوم سقوط النظام السابق إلى نحو 13 مليار دولار فقط الآن، ولا يزال الناس يعانون من صعوبة المواصلات، وحوادث القطارات الكارثية، وتدهور أحوال الطرق والمرافق، وارتفاع أسعار البنزين، واختفاء السولار من محطات الوقود وافتقاد الأمن والأمان، وصم الآذان عن الاستماع إلى المعارضة وإغلاق منافذ الحوار، فالحوار يكون مطلوباً بعد اتخاذ القرارات المصيرية، وبعد استحكام التمكين مما يجعله أقرب إلى الإذعان منه إلى المشاركة. لقد تبخرت كافة الوعود بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور على نحو متوازن يعبر عن كافة الفئات والأطياف السياسية والسكانية، وعدم الاستفتاء على الدستور إلا بعد التأكد من التوافق المجتمعى، واعتماد أسلوب المشاركة لا المغالبة، واحترام السلطة القضائية وعدم التدخل فى شئونها، والاهتمام بالفقراء والمهمشين وسكان العشوائيات، وإتاحة الفرصة أمام الشباب لاعتلاء المواقع القيادية والمشاركة فى اتخاذ القرارات. تلك بعض خطايا الحكومة والنظام الحاكم، ولكن هل هناك سبيل إلى تعديل المسار؟ بالتأكيد يمكن ذلك إذا تخلى النظام الحاكم عن عناده واستبداده، وأبدى استعداده للاعتراف بالأخطاء بدلاً من إنكارها، وإذا اقتنع بأن مصر أكبر كثيراً من أن يحكمها ويستأثر بها فصيل واحد أو جماعة بعينها، وإذا تخلت جماعة الإخوان المسلمين عن التدخل السافر فى شئون الدولة، وإذا اقتنعت الجماعة بتوفيق أوضاعها فى ظل القوانين السارية بدلاً من الانتظار لتفصيل قوانين على مقاسها الفضفاض، وإذا تم إقصاء هذه الحكومة الفاشلة واستبدال حكومة من الكفاءات بها بغض النظر عن الانتماءات السياسية، وإذا تم اتخاذ قرارات عاجلة ترفع المعاناة عن المواطنين، وإذا تمت تنحية أو قبول استقالة النائب العام الذى تم تعيينه على نحو مخالف للقانون والاحتكام إلى المجلس الأعلى للقضاء لترشيح ثلاثة قضاة يختار الرئيس أحدهم لشغل منصب النائب العام، وإذا استعاد القضاء هيبته وكرامته واستقلاليته عن السلطة التنفيذية، وإذا تم القصاص العادل للشهداء، وإذا ابتعدت الشرطة عن ممارساتها القمعية واستعادت دورها الحقيقى فى خدمة الشعب وليس خدمة النظام. تلك مسئولية السلطة الحاكمة التى بيدها الأمر فهل تفعلها؟ أشك! وللمعارضة حديث آخر.