فى خريف عام 2004 قدمت لى مباحث أمن الدولة عرض استضافة إجبارى فى سجن مزرعة طرة. بعد شهر من الحبس الانفرادى انتقلت إلى عنبر (2) فى غرفة بها خمسة من الإخوان يقضون أحكاما بالسجن مدة خمس سنوات قضت بها محكمة عسكرية. وفى غرفة أخرى بنفس العنبر كانت هناك مجموعة من طلبة جامعة الزقازيق، أحدهم الطالب فى كلية الطب أحمد محمد مرسى. كان د.محمد مرسى وقتها رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان فى مجلس الشعب (2000- 2005م)، ويتمتع بالحصانة البرلمانية التى لا تسمح باعتقال النواب، وهو أمر لم يكن يسر مباحث أمن الدولة، فعوضت ذلك بأن حبست ابنه أحمد، وطالت فترة الحبس ليتسنى حرمانه من دخول الامتحان. دفع أحمد مرسى ضريبة عمل والده، دون ضجر ولا تبرم، وقد كان دائماً متبسماً هادئاً، وبعد أن أصبح د.مرسى رئيساً فإن الضريبة التى من المتوقع أن تدفعها عائلته ستكون أكبر، فى ظل حالة التربص والترصد والتلصص والمكايدة والمزايدة التى نراها. بميزان العدالة، من حق عمر محمد مرسى أن يتقدم لشغل وظيفة حكومية، طالما أنه لم يعلن عن الوظيفة من أجله، وطالما تقدم معه آخرون، وكان هناك تكافؤ فى الفرص ولم تكن هناك محاباة أو مجاملة، ومن حقه أن يعمل فى الحكومة أو القطاع العام طالما استوفى الشروط.. لكن بميزان الورع، وسد الذرائع، كان الأولى بعمر أن يتنازل عن هذا الحق، وأن يدفع الضريبة ويترك العمل الحكومى، وإن كنت أتوقع أنه لو عمل فى القطاع الخاص لثارت نفس الأصوات، واتهمت الشركة الخاصة بمحاباة ابن الرئيس من أجل تحقيق مصالحها! يا عمر مرسى.. كنت أتوقع أن ترفع عن أبيك الحرج فلا يكون هو من يمنعك عن حق هو لك، أما وأنك لم تفعل فقد كنت أتوقع أن يمنعك الرئيس؛ لا باعتباره والدك ولكن باعتباره الحاكم المسئول الذى يريد تجنيب المجتمع الخوض فى مثل هذه الأمور والانشغال بها عما هو أهم. دخل عمر بن الخطاب السوق يوماً فرأى إبلا سمانا فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبدالله بن عمر، فسأل ابنه فقال إنه اشترى الإبل وأرسلها ترعى فى المراعى العامة التى كانت توفرها الدولة لعامة المسلمين. فقال عمر: فيقولون (أى الناس): ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبدالله بن عمر اغد إلى رأس مالك(أى خذ رأس مالك)، واجعل باقيه فى بيت مال المسلمين. وشهد عبدالله بن عمر معركة جلولاء فى بلاد فارس فاشترى أشياء أراد أن يحملها للمدينة ويبيعها هناك، فلما قدم على عمر قال: كأنى شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبدالله بن عمر صاحب رسول الله، وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه -وأنت كذلك- فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك (أى أن التجار يبيعون لك بسعر أقل تكريما لك)، وأعطاه نسبة الربح الشائعة ورد الباقى لبيت المال. يا آل مرسى.. تحلوا بالورع، ودعوا الحلال مخافة الوقوع فى الشبهة، لعلكم تسلمون من ألسنة الناس.