تحدثنا فى المقال السابق عما ينتظره المجتمع المصرى من المعارضة التى ترغب فى قيادته مستقبلا من خطط اقتصادية وسياسية واجتماعية تتعامل مع تحديات المرحلة الحالية. أما ما ينتظره المجتمع الدولى فهو يفوق ما ينتظره الشعب لأن غالبية قيادات المعارضة غير واضحة المعالم ولديهم أيديولوجيات ومواقف مختلفة طبقا للحقبة الزمنية التى تعاملوا فيها مع المجتمع الدولى، وبعضهم لم يتعامل أصلا مع المجتمع الدولى. ولأن البعد الدولى والرأى العام العالمى لهما تأثيرهما الخاص فى الصراعات الإقليمية والمحلية، خصوصا بعدما أصبح العالم مدينة صغيرة مترابطة تؤثر الأحداث فى أى قطعة فيه على الجميع، لذلك بات مهما أن تستدعى المعارضة المصرية المجتمع الدولى وخصوصا الولاياتالمتحدة فى صراعها المحلى مع جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة. وقد أدركت جماعة الإخوان أهمية المجتمع الدولى وخصوصا الولاياتالمتحدة فى معارضتها لنظام مبارك، وانخرطت فى لقاءات ومباحثات شرحت فيها وجهة نظرها ومواقفها حيال القضايا الدولية المهمة، منذ الثمانينات. وانخفضت هذه المقابلات بعض الشىء فى التسعينات حتى عام ألفين وستة عندما عادت هذه اللقاءات بقوة وكان لها أكبر التأثير فى تخلى الأمريكان عن نظام مبارك مبكرا، وهو ما شجع باقى المجتمع الدولى على تأييد الثورة وأغلق الباب أمام احتمالية بقاء النظام لفترة أطول. وقد تمادت جماعة الإخوان فى مخاطبة ود الأمريكان ومعهم المجتمع الدولى بعد الثورة علنا، من خلال إرسال البعثات المختلفة للقاء صناع القرار والمراكز البحثية الأمريكية وأعضاء الإدارة الأمريكية والكونجرس وعقد اللقاءات العامة فى الجامعات ومع الإعلام، لتوضيح رؤيتها وتصرفاتها والسطو على الثورة والتحدث باسم قيادتها وإيهام صانع القرار أن ما يحدث داخل مصر هو إرادة الغالبية من الشعب المؤيدة بالطبع لسياسات الإخوان. وفى المقابل لم ترسل المعارضة أى وفود أو بعثات لشرح حقيقة ما يحدث فى الشارع المصرى والسطو غير الشرعى على الثورة من الإخوان، وتركت المعارضة جماعة الإخوان تتحكم فى وجهة نظر المجتمع الدولى عما يحدث داخل مصر لدرجة إيهام بعض صناع القرار أن محاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج أحداث قام بها «الثوار» للقصاص من بقايا النظام القديم. وإذا افترضنا أن هناك من أيد وصول الإخوان إلى السلطة داخل بعض دوائر صناعة القرار الأمريكى لخدمة المشروع الصهيوأمريكى، فإن المدرك لطريقة عمل السياسة الأمريكية لا يمكن أن يفترض أن الموقف الأمريكى هذا معبر عن كل أطياف المجتمع الأمريكى ولا عن إجماع من صانعى القرار، فالولاياتالمتحدة دولة مؤسسات تراقب فيها السلطة التشريعية أداء الحكومة بكل تدقيق، ولديهم من الأدوات الدستورية التى تمكنهم من التدخل فى صناعة القرار حال اختلاف وجهة نظرهم مع السلطة التنفيذية ممثلة فى الرئاسة ووزارتها للشئون الخارجية. فإذا افترضنا أن أوباما أراد أن يحكم الإخوان مصر بصرف النظر عن الأسباب، فإن وزارة الخارجية الأمريكية هى الأداة التى استخدمها لتحقيق هذا الهدف. ولكن هذا ليس بالضرورة رغبة كثيرين فى الكونجرس الأمريكى أو داخل وزارة الدفاع التى تنفق مليارات من دافعى الضرائب على مكافحة التطرف الدينى، وبالطبع لا يروق للشعب الأمريكى ذاته أن تستخدم خارجيته فى زرع عدم الاستقرار داخل أكبر دولة محورية فى الشرق الأوسط. وهنا يأتى دور المعارضة المصرية فى تعريف الرأى العام العالمى، والأمريكى على وجه الخصوص، بالانتهاكات داخل مصر للثورة والثوار وبالمخاطر التى تنتظر العالم من التدخل فى السياسة الداخلية المصرية لصالح تيارات متطرفة تقترب من الفاشية أكثر من الدين، وتطلق على نفسها إسلامية وهى بعيدة عن أى دين، بل تستخدم الدين للوصول إلى أغراض منظمتها الدولية على جثث الشباب المصرى الواعد. إنه حق محمد الجندى وجابر جيكا ومحمد كريستى وعمر سعد وأصغر الشهداء عمر صلاح (طفل البطاطا)، علينا جميعا أن نخبر العالم بقضيتهم التى اغتالتها رصاصات الخيانة والعمالة والغدر. لم يضحِّ هؤلاء الشباب بحياتهم عبثا بل من أجل أن تنجح ثورة مجيدة امتطاها الفاشيون وراحوا يقتلون حلم الثورة والثوار، وعلينا جميعا تعرية ممارساتهم والأنظمة التى تساندهم للرأى العام العالمى.