يمر الوطن بأحداث جسام عبر تاريخه، بعضها يطويه النسيان بفعل الزمن والتقادم، ولكن بعضها الآخر يظل محفوراً فى الوجدان والذاكرة مهما طالت المدة، فالعالم لا يزال يتذكر عبارة ملكة فرنسا مارى أنطوانيت التى «اندهشت؟» من ثورة الفرنسيين بحثاً عن الخبز.. العيش.. وقالت ببساطة متناهية فليأكلوا البسكوت! وهو نوع من أنواع البقسماط.. وأعتقد أن صورة عمر، طفل الثالثة عشرة، بائع البطاطا، الذى سرق منه الفقر حلم الطفولة وسرق منه العنف حلم الحياة، ستظل محفورة فى الوجدان المصرى وشاهدة على هذه الحقبة من تاريخ الوطن، لا سيما أن هناك «عمر» آخر تناولته الأقلام والتعليقات فى ذات التوقيت.. الطفل الشهيد كان يبحث عن رزقه وما يساهم به فى نفقات أسرته الفقيرة عندما أحالته الرصاصات إلى جثة هامدة، تلك مفاهيم السلطة الحالية، التى تختلف عن النظام السابق بالتفوق عليه فى العنف، الذى أطلق الرصاص على عمر صلاح هو ذاته مضموناً وليس مادياً الذى عبّد بالورود طريق «عمر مرسى»، نجل الرئيس، الذى اكتشف الجميع ولا أى اندهاشة أنه عبقرى ونابغة وكامل الأوصاف ولا تسأل لماذا إذن لم يتخرج منذ أشهر فقط بامتياز وإنما بجيد أو حتى جيد جداً؟! عمر «الفقير» كان يلهث للحصول على جنيهات قليلة يسد بها الرمق، بينما عمر «الكبير» يحصل على نحو أربعين ألف جنيه شهرياً.. وهذا ما يحلم به ليس عمر الذى اغتالت الرصاصات حلمه وأنفاسه، بل أكثر من تسعين بالمائة من المصريين، الذين خرجوا بالملايين يعلنون حقهم فى دولة العدالة الاجتماعية، وبعدها كانت الدولة فى صف عمر مرسى وضد عمر صلاح وأتوقع أن يخرج علينا من يحمّل الإعلام المغرض مسئولية كشف المستور على غرار ما صرح به د.هشام قنديل، رئيس الوزراء، بأن الإعلام ما كان يجب أن ينشر ما قاله هو عن إرضاع سيدات بنى سويف لأطفالهن، واعتذر قنديل عن النشر وليس عن القول! وقد استوقفنى أن تناول حالتى العمرين مواطنون من كتاب إلى شباب الفيس بوك إلى أناس عاديين من أعمار مختلفة تبدأ من العشرينات وحتى التسعينات.. وهذا يعرف فى لغة العصر بالإجماع، وبالمناسبة أعاد نشطاء على الفيس بوك كيف أن الزعيم جمال عبدالناصر، الذى عرف بعدالته الخالصة، كان لذلك تحديداً رادعاً لأى منافق أو صاحب مصلحة، فقد تخرجت ابنته هدى وكان ترتيبها الثالثة على دفعتها ونصح أحدهم وزير التعليم آنذاك بأن يكون عدد المعيدين ثلاثة بدلاً من اثنين، حسب اللائحة والقانون.. فأجاب الوزير بأنه يخاف أن يفعل هذا خشية غضب عبدالناصر! ولم تعين هدى معيدة فى الستينات، وما أدراك ما الستينات!! إنما يبدو فى حالة عمر مرسى أن الذين عينوه لم يخطر ببالهم أن يغضب رئيس الجمهورية لشبهة مجاملة نجله الذى تجلت عبقريته هذه الأيام فحصل على مرتب أعلى من الأغلبية الساحقة من كبار الموظفين الذين تخرج بعضهم قبل مولده.. المهم.. ولإقرار عدل دولة الأحزاب اليمينية المتطرفة.. حشدت القوى المناصرة للحكم آلاف المتظاهرين لنبذ العنف! واكتشفنا أنهم على استعداد للاستشهاد بالملايين لحماية الشرعية من جيش المصريين الغاضبين ونصح أحدهم الرئيس بعدم الاكتفاء بالرصاص على العيال بتوع الاتحادية بل النابالم!! أى نبذ العنف بالرصاص.. واستبداله بالعنف بالنابالم!! هل يستمع الرئيس إلى النصيحة المخلصة.. النابالمية؟.. هذا ما ستجيب عنه الأيام!