أ. د عز الدين الدنشارى أستاذ الفارماكولوجى والسموم كلية الصيدلة - جامعة القاهرة «ما القوة المغناطيسية فى اللاصقة التى تميز بين المواد السامة والمواد النافعة؟!» إنه من دواعى الدهشة والعجب تلك اللاصقة السحرية التى يعلن عنها فى بعض القنوات الفضائية، حيث يفيد الإعلان بأنها حينما تلصق على الجلد فإنها تعالج قائمة طويلة من الأمراض، مثل السرطان وأمراض الجلطة والألزهايمر والبروستاتا والكلى والكبد وغيرها، علاوة على أنها تنزع من الجسم جميع السموم والميكروبات والفيروسات التى تصيب الإنسان بقائمة أخرى من الأمراض الخطيرة والمهلكة، ولكى أوضح أن هذا الادعاء درب من دروب الدجل والاستخفاف بعقلية المشاهد، أقدم الحقائق العلمية التالية: من أجل أن تكتمل البحوث والدراسات العلمية على أى لاصقة طبية حتى تكون صالحة لاستخدامها فى علاج مرض ما، يتطلب الأمر مجهودات بحثية مضنية قد تستغرق من 5 إلى 10 سنوات للتأكد من أن الدواء الذى تحويه اللاصقة فعّال فى علاج المرض المستهدف، وأن الدواء لا يشكل خطراً على المريض. وخلال الخمسين عاماً الماضية أُجريت بحوث عديدة للتوصل إلى لاصقات طبية تفيد فى علاج الأمراض، وحتى وقتنا هذا لم تتعدَّ اللاصقات الموجودة فى سوق الدواء بضعة مستحضرات يُستخدم بعضها فى تسكين الألم والبعض الآخر فى علاج الذبحة الصدرية، ولاصقات تحتوى على النيكوتين للإقلاع عن التدخين، وأخرى تُستخدم بديلاً لحبوب منع الحمل المعروفة، حيث تتميز هذه اللاصقة عن الحبوب بقلة الأعراض الجانبية وبخاصة متاعب الجهاز الهضمى، كما تتميز اللاصقة بسهولة استخدامها. يشير الادعاء الإعلانى إلى أن اللاصقة السحرية تعالج نحو خمسين مرضاً، وإذا كان المرض الواحد يحتاج لدراسة وبحوث تستغرق من 5 إلى 10 سنوات حتى يكون قابلاً للعلاج باللاصقة، كما أسلفنا، فإن الأمراض التى ذُكرت فى إعلان اللاصقة العجيبة تحتاج فى دراستها إلى 250 - 500 سنة. بالرغم من أن الدم وأعضاء الجسم الداخلية تحتوى على آلاف المواد الكيميائية فإن الجلد لا يخرج منها إلا عدداً قليلاً، وذلك عن طريق العرق والغدد الدهنية المنتشرة فى الجلد، وإذا افترضنا أن الجلد -على العكس- يقوم بإخراج الآلاف ويُبقى على عدد قليل منها داخل الجسم، فإن النتيجة تكون أن الجسم سوف يفقد عن طريق الجلد عناصر عديدة ضرورية لوظائف أعضاء الجسم وحيوتها وسلامتها، مثل الفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية الأخرى، مثل الأحماض الأمينية والجلوكوز، بالإضافة إلى الهرمونات التى تنظم وظائف عديدة فى أعضاء الجسم المختلفة، ولنفترض أن سكر الدم يُستخرج عن طريق الجلد، فإن هذا سوف يؤدى إلى نقص شديد فى السكر، بالإضافة إلى زيادة لزوجة الجلد.. وهذا أمر لا يطاق. من المعروف علمياً أن من أهم وظائف الجلد أنه يحول دون دخول السموم والميكروبات من الجلد إلى الدم والأعضاء الداخلية، وفى هذا وقاية من أضرارها، وإذا كان هذا السد المنيع، وهو الجلد، لا يسمح بدخول الميكروبات والسموم، فكيف يساعد على خروجها كما يدعى المعلن عن اللاصقة السحرية؟ أم أن الميكروبات تسير فى اتجاه واحد؟ إذا كان من شروط استخدام أى مستحضر دوائى أن تجرى عليه بحوث تفيد بأنه لا يسبب أضراراً لمن يستخدمه، فهل أُجريت تجارب على هذه اللاصقة تفيد بأنها لا تلحق الضرر بالجلد وأعضاء الجسم الداخلية؟ لنفترض جدلاً أن اللاصقة السحرية تحتوى على مادة ذات قوة مغناطيسية تجذب السموم والميكروبات، فما الدليل العلمى على أنها لا تجذب العناصر المفيدة وتخرجها من الدم والأعضاء الداخلية؟ أم أن هذا المغناطيس ينحاز لفئة دون أخرى؟ تكمن خطورة استخدام اللاصقات استخداماً غير مؤسس على الأساليب والأدلة العلمية المؤكدة أن المرضى الذين استخدموها فى علاج أمراضهم ربما كان منهم من انخدع بسحر الإعلانات وتخلى عن الوسيلة العلاجية أو الدواء الذى نصح باستخدامه الطبيب، وذلك بعد إجراء الفحوص الطبية والتحاليل المعملية التى تؤكد نوعية المرض ودرجة خطورته، ومن ثم إعطاؤه الدواء المطلوب والجرعة والنظام الدوائى اللازم لعلاج مرضه، ويترتب على عدم اتباع المنهج العلمى، مثلما يحدث بالاعتماد على اللاصقة السحرية، فشل علاج المرضى وحدوث مضاعفات قد تودى بحياة المريض. تأسيساً على ما تقدم فإنى أرى أن تُتخذ إجراءات مشددة ورادعة لمكافحة هذه الآفات المدمرة، وذلك بإصدار قوانين تعاقب مسئول مصدر الإعلانات التى تروج لعلاج الأمراض أو الوقاية من السموم والميكروبات دون أن يعطى الإعلان تصريحاً من وزارة الصحة، كما أطالب المسئولين بوزارة الإعلام والثقافة والصحة والتعليم والجمعيات الأهلية بضرورة التصدى لهذه المشكلة بالتوعية الجماهيرية فيما يتعلق باستخدام الأدوية والأعشاب والوسائل الأخرى فى علاج الأمراض.