فى الصباح المبكر، مضينا إلى شرق القناة، كانت السعادة تغمر الوجوه، لقد مضى عام منذ أن شاركنا فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، كنا نراهن على النجاح، فالخطة مدروسة، والمشروع هدفه المستقبل والحاضر معاً، مضت الأيام سريعة، حملات التشكيك لا تتوقف، أقلام وأبواق هدفها إثارة الإحباط وتصدير الفشل للوصول إلى اليأس. خطاب الرئيس هذه المرة ركز على موضوع أساسى يدور حول «معنى التشكيك ودلالته وأهدافه» واقترح عنواناً جديداً سماه «الإنجاز والتشكيك»، قبل ذلك كان قد تحدث عن «البناء والبقاء» عنواناً للتحدى والمواجهة. كيف انتقل الأمر سريعاً من «البناء والبقاء» إلى «الإنجاز والتشكيك»، كان الرئيس يرصد فى كلمته التغيرات الحاصلة فى الذهنية، وتصاعد لغة الاستهداف «التشكيك جنباً إلى جنب مع لغة الرصاص». قال الرئيس، إن حركة التجارة العالمية تراجعت، انخفض معدلها، نتيجة ركود الاقتصاد العالمى، حاول البعض أن يستثمر ذلك، ليشكك فى جدوى القناة الجديدة، فقالوا إن إيرادات القناة قد تراجعت، كأنهم يريدون أن يقولوا بذلك «إن فلوس المصريين قد ضاعت، وإن أحلامهم قد تبددت، لأننا تسرعنا فى إصدار القرار وبدء الحفر»، نسى هؤلاء أو تناسوا حديث الإرادة والتحدى، وكيف استطاع المصريون حفر قناة بطول 72 كيلومتراً فى فترة عام واحد فقط، معجزة بمعنى الكلمة، وأمر غير متصور لدى الكثير من خبراء العالم وصناع القرار. راحوا يشككون، ويملأون الدنيا صياحاً، دون أن يراجعوا أنفسهم، ويسألوا كيف ولماذا وأين المسار، رد على ذلك الفريق مهاب مميش، قرأ أمام الحاضرين خطاب وزير المالية المقدم إلى القناة والذى يؤكد فيه أن إيرادات القناة فى الفترة من 1/1/2016 إلى 6/8/2016 بلغت 3.2 مليار دولار، أى بما يعادل 26.6 مليار جنيه أى بزيادة 4٪ بالدولار و6٪ بالجنيه المصرى مقارنة بالعام الماضى، إذن الأمر لا لبس فيه، ولا ادعاء، إنها الحقيقة الناصعة، القناة لم تهبط إيراداتها رغم ركود الاقتصاد العالمى، ورغم الحرب فى مضيق باب المندب، ورغم هبوط أسعار البترول، بل زادت بمعدلات عالية وكان لقناة السويس الجديدة فى ذلك فضل لا ينكر، فما بالك عندما تعود الأوضاع العالمية إلى سابق عهدها، قطعاً ستحقق القناة إيرادات أعلى لصالح الاقتصاد القومى للبلاد. قال «السيسى»: «خلوا بالكم، كل إنجاز يوضع بجواره محاولة للتشكيك».. هكذا رأى، وهكذا نرى، كأنها باتت نظرية، أنت تنجز ونحن نشكك فى آن واحد، وربما ذلك هو ما دعا الرئيس إلى الحديث عن رؤيته الجديدة «الإنجاز والتشكيك»، التى راح يذكرها أكثر من مرة، ويتساءل عن الثقافة التى تحكم هذه المحاولات، التى يعرف أن هدفها نشر اليأس والإحباط بين المواطنين. قال الرئيس: عندما نحل مشكلة الكهرباء للمرة الأولى، وبعد تكلفة كبيرة، يخرج البعض ليشكك ويقول «غلاء الفواتير»، عندما نزرع مليوناً ونصف مليون فدان جديدة يأتى من يقول اخرجوا للصحراء واتركوا الوادى ويتساءل عن الجدوى الاقتصادية، عندما نقول إن تدخل الجيش ضرورى لضبط الارتفاع المتزايد فى الأسعار، يخرج من يقول وما علاقة الجيش بذلك؟!! كان الرئيس ممتعضاً من هذا السلوك الذى تقوم به بعض النخب وبعض الإعلاميين بالقطع، قال «السيسى»: «ما يحدث مع المصريين محاولة لهزيمة الإرادة، والهدف تشكيك الشعب المصرى فى كل شىء». لم يكن «السيسى» مغالياً أو متجنياً، فما تشهده البلاد على أرض الواقع يريد أن يبعث برسالة واحدة: «إن مصر قد فشلت، وإن الحديث عن إنجازات قد تحققت على أرض الواقع ليس سوى كلام بلا معنى».. إنها نظرية جديدة، عنوانها التشكيك فى كل شىء، حتى يصل الأمر إلى دفعك لأن تشك فى اسمك ونسبك وحياتك من الأساس..!! دعونى أنقل لكم حواراً جرى بينى وبين أحد هؤلاء المشككين فى كل شىء منذ فترة. قلت له، يوم تسلمنا حاملة الطائرات «الميسترال» التى أطلق عليها اسم «جمال عبدالناصر»: هل شاهدت حاملة الطائرات التى وصلت أمس إلى الإسكندرية؟ قال: وبماذا ستفيد؟ قلت له: سوف تجعلنا القوة البحرية الأولى فى الشرق الأوسط. قال: أليس الأوْلى نقدم مبلغها دعماً للفقراء؟ قلت له: ولكن تسليح الجيش فيه حماية للفقراء وللوطن، والدولة لم تتخلّ عن الفقراء. قال: الجيش فيه أسلحة كافية. قلت: من يحدد ذلك هم القادة العسكريون ولست أنت! قال: لسنا فى حرب. قلت: من الغرب ليبيا انهارت، وداعش على الأبواب، من الجنوب هناك مشكلة المياه، من الشمال الشرقى هناك إسرائيل، وهناك حماس ودعم الإرهاب، وفى اليمن حرب مشتعلة ومضيق باب المندب فى خطر، وفى الداخل الإرهاب لا يتوقف. قال: الرافال، والميسترال، والفرقاطة، والطائرات، والصواريخ، كل هذا فيه استنزاف للأموال!! قلت: ألا تؤمن بنظرية الأمن القومى، ألا تعرف أن كيان الدولة مستهدف، ألم تسمع بمخطط الشرق الأوسط الجديد؟! أكثر من ساعة من حوار بلا جدوى، مع شخص طابعه التشكيك فى كل شىء، إنه المرض النفسى الذى لا يريد أن يبارح بعض العقول، التى لا تعى خطورة الواقع، ولا تطلق سوى الأحكام القطعية التى لا تستند إلى معلومة أو منطق، وأمثال هؤلاء كثر، ولا جدوى معهم سوى الرد عليهم بالإنجاز.. صحيح أنهم قلة، لكنها قلة منظمة.. تفهم معنى رسالتها فتشيع الأكاذيب، وتتبنى نهج التشكيك حتى يصل الأمر إلى العامة من الناس، فينقاد البعض حتى ولو كانوا مجموعات محدودة، إلا أن هذه اللغة تجد من يرددها دون تفكير ودون وعى.. فى فترات الأزمة، والإحساس بالخطر، لا مكان للمشككين، ولكن عندما يعم الأمن والاستقرار، تتصاعد هذه المحاولات وتطل بوجهها من جديد، ينسى البعض أين كنا وكيف أصبحنا، ويبدأون فى الضغط على أوجاع المواطنين، والتى هى من ركام سنوات الماضى وتداعياته، وكأنهم يريدون أن يخربوا بلادهم بأيديهم. منذ أكثر من عامين استدعينا الرئيس السيسى وكلفناه برئاسة البلاد، ورغم خطورة الأوضاع، فإنه قبل ولم يتراجع، ولم يتردد، وتلك أخلاق الفرسان، كان السيسى يعرف أنه جندى فى ميدان القتال، لا يستطيع أن يعصى أمراً، فما بالك إذا جاء هذا التكليف من الشعب نفسه؟! قال منذ البداية، لا تتركونى وحدى، أنتم شركاء معى فى المسئولية، وقلنا له بصوت عالٍ «سمعاً وطاعة يا سيادة الرئيس»، وبعد شهور قليلة راح الرئيس فى تصريح علنى يسأل عن تعهد الإعلاميين الذى قطعوه على أنفسهم بمساندته ومؤازرته باعتبارهم شركاء، ويقول لهم «أنا حشتكيكم للشعب»، وكأنه أراد أن يقول «إن سلوك بعضهم راح يتبنى نهج التشكيك فى كل شىء، ويتبنى النقد الهدام بديلاً للنقد البناء»، لم يتوقف الأمر، بل تزايدت لغة الإثارة والتصعيد، وكأننا فى ساحة حرب معلنة بين الدولة وبعض الإعلاميين الذين راحوا يتطاولون ويعيدون إنتاج خطاب ما قبل الثورتين ويطلقون عبارات التشكيك فى كل شىء!! أنهى الرئيس خطابه، مضينا نحو مدينة الإسماعيلية الجديدة، أبهرنا الإنجاز، مدينة بأكملها تقام فى جوف الصحراء على الضفة الشرقية للقناة، إنه الإنجاز العظيم الذى جرى بسواعد أبناء مصر، لقد قال الرئيس إن هناك 600 ألف شقة «إسكان اجتماعى» سوف تنتهى جميعها فى أبريل المقبل، ويجرى حالياً تعمير 60 ألف كم فى شرق بورسعيد، وإن الأيام المقبلة ستشهد افتتاح مشروعات جديدة فى صعيد مصر، وإنه لن يتوانى عن تحقيق المزيد خلال الفترة المقبلة. لقد بعث السيسى برسالته من قناة السويس، لتصل إلى كل بيت فى مصر: «لن نسمح للتشكيك بأن ينال من الإنجاز، وردنا على كل ذلك بالمزيد من العمل والأداء.. ولا خيار أمامنا غير ذلك». وأظن أن الرسالة وصلت إلى كل من يعنيه الأمر.