فى صباح يوم دراسة جديد، يدخل الشيخ العالم بعمامة بيضاء محفوفاً بالعشرات من تلاميذه مختلفى الجنسيات، متكئاً على عصا نحيفة سوداء، حتى يبلغ مجلسه، على كرسى وثير إلى جوار منبر المسجد يجلس، ومن حوله يجلس التلاميذ على الأرض مرفوعى الهامات صامتين كأن على رؤوسهم الطير فيبدأ: «سندرس فى هذه المحاضرة ما يُعرف بعلم التصوف الإسلامى.. افتحوا كتاب الرسالة القشيرية وانتبهوا». مسئولية إدارة الفتوى بدأت بتوليه منصب مفتى الديار المصرية عام 2003، وامتدت من بعد ذلك عشر سنوات فى نهايتها سن التقاعد الرسمى، ليصير أمر بقائه معلقاً بيد رئيس الجمهورية، الذى شنّ شباب حملته الانتخابية حملة على مفتى الديار حين رفض الميل إلى أى من المرشحين، وأعلن أنه «حتى لو كان أحدهم يتكلم بالدين، فلو كان الآخر يحفظ حقوق الناس فذلك الآخر أفضل عند الله من هذا». «نصف مليون فتوى سنوية» هى إجمالى الفتاوى التى تصدرها دار الإفتاء المصرية التى يديرها المفتى على جمعة، شافعى المذهب، سقف لم تبلغه دار الإفتاء منذ نشأتها عام 1895، حين كان الإمام محمد عبده مفتياً للديار المصرية، وفى خضم الفتاوى يخرج جمعة فى معرض إنجازات دار الإفتاء المصرية مصرحاً: «كانت مهمتى الأولى تحويل دار الإفتاء إلى مؤسسة تنفصل عن الأشخاص تدوم بعد زوالهم، وتواصل مهامها فى قوة وخطوات ثابتة إلى الأمام». رأيه فى سقوط فريضة صلاة الجمعة، فى يوم 28 يناير 2011، تحاشياً للفتنة متوقعة الحدوث فى ذلك اليوم، كان سبباً فى توجيه سياط اللوم نحوه، وفى التشكيك بعد سقوط الرئيس السابق فى أحقيته بالبقاء فى منصبه مفتياً للديار المصرية، خصوصاً بعدما أذاعت القنوات الموالية للنظام وقت الثورة تسجيلاً صوتياً له وهو يردد: «هما عايزين إيه يعنى؟ عايزينها حرب أهلية؟». كانت البداية فى محافظة بنى سويف، مارس 1952، حين ولد «علىّ» لأسرة ريفية، وتدرج فى التعليم الحكومى حتى حصل على بكالريوس التجارة من جامعة القاهرة ثم حصل على الإجازة العالمية من كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فى 1979، ليتخصص فى أصول الفقه. خلال أعوام توليه المنصب الأول فى مجال الفتوى فى مصر، حرص على سلامة العلاقة بين أطياف الشعب، وإقامة حوار بين الأديان حتى صنفته جامعة ليفربول الإنجليزية كأحد أهم الشخصيات العالمية فى نشر التسامح والتفاهم بين الأديان على مستوى العالم، فى حفل منحه درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة ذاتها. يصر مفتى الديار المصرية، المنتهية مدته، من حين لآخر على وسطية مؤسسته، فتثير تصريحاته جدلاً بين صفوف الأصوليين من أهل النقل كالسلفيين، حين أفتى بعدم جواز الاقتتال بين المسلمين تحت راية الولاياتالمتحدة، وحين أفتى بشرعية المعاملات البنكية، وحين أفتى مؤخراً بضرورة ضخ مال الزكاة فى سبل البحث العلمى كى نتخلص من «رق الجهل».