يوم واحد، قضاه داخل قسم شرطة قصر النيل، غيّر طموحه وتطلعاته لمستقبله، فبعد أن كان قراره الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، عاد ليقرر الالتحاق بكلية التجارة الخارجية، ليعمل محاسباً مع أبيه.. «عشان يبعد عن السياسة خالص»، كما يقول والده.. محمد أحمد عبدالمنعم، طالب بالصف الثانى الثانوى، الشعبة الأدبية، ذهب يوم الأحد الماضى لشارع القصر العينى للمتابعة مع طبيبه، وفى طريق عودته فوجئ بتصاعد حدة الاشتباكات بين الأمن والمتظاهرين، فبحث عن طريق للعودة لمنزله بمنطقة الوراق. لم يكن محمد الوحيد الذى يبحث عن وسيلة ليصل منزله، بل كان معه آخرون، وأرشده مجموعة من عساكر الأمن المركزى لطريق يوصله لمحطة مترو الأوبرا، فذهب ومن معه من هذا الطريق، ليُلقى القبض عليه على سلالم محطة مترو الأوبرا ومعه فتاة أخرى. بدأ الأمر بالتفتيش الذاتى لمحمد، فلم يجدوا معه شيئاً سوى حقيبة تحتوى على مياه وبعض الأطعمة، أما الفتاة فكانت تملك قنبلة غاز مسيلة للدموع وأحد ماسكات البلاك بلوك. «العساكر ضربونى على ضهرى بالعصيان، زى ما يكونوا بيلعبوا درامز»، كانت هذه أولى الإهانات التى وُجهت لمحمد عند القبض عليه، ولم تسلم الفتاة أيضاً من عصى الأمن المركزى، ثم اصطُحبا إلى قسم قصر النيل، حيث أصر ضباط القسم على أن ما تحمله الفتاة ملك محمد وأنها صديقته، كما كتبوا فى المحضر أنه يحرضها على ضرب رجال الشرطة، ولم يتوقف الأمر على تلفيق التهم لمحمد، بل امتد ليشمل الاعتداء عليه بالألفاظ البذيئة والأيدى. «احنا بنوجّب معاك».. كان رد رئيس المباحث على محمد، عندما سأله عن سبب تعرضه للضرب وهو لم يرتكب جريمة، وبدأت ليلته فى زنزانة منفردة، لا توجد بها «بطانية» لينام عليها ولا أحد ليحدثه، فجلس يبكى فى صمت ينتظر مصيره المجهول.. طلب محمد أن يتصل بوالده ليخبره بالقبض عليه، فرد الضابط: «انت فاكر نفسك أيام عمو حبيب العادلى»، لكن نجح محمد فى الاتصال خفية بوالده، من أحد الهواتف داخل القسم وأبلغه بالأمر. يوم الاثنين، 28 يناير الماضى، أُحيل محمد والفتاة التى معه لنيابة عابدين للتحقيق، وأكد أن وكيل النيابة واجهه بالفتاة فأكدت أنها لم تره من قبل، وأن كل ما فى حقيبتها يخصها، وأضافت أنها وجدت القنبلة ملقاة فى التحرير، أما القناع فهو لأحد زملائها، ليكون قرار النيابة إخلاء سبيل محمد، إلا أن عساكر قسم قصر النيل لم ينفذوا القرار، وعادوا به مرة أخرى للقسم، لعمل «فيش وتشبيه»، والكشف على صحيفته الجنائية. يقول محمد: «رئيس المباحث قالى انت إيه اللى منزلك مظاهرات.. قلت له أنا كنت مروح.. فضربنى بالقلم، ثم كتب اسمى على ورقة، وكتب أننى كانت معى قنبلة مسيلة للدموع وقناع بلاك بلوك وأننى إرهابى»، موضحاً أنه أجبره على أن يصوَّر وهو يحمل الورقة.. «رفضت فقال لى هاحبسك وهاقعّدك فى الحبس 5 أيام وبعدين أوديك معسكر دار السلام، قلت له اعمل اللى انت عاوزه، فضربنى هو ومعاون المباحث وأجبرونى أتصور بها».. «حسبى الله ونعم الوكيل».. كلمات قليلة رد بها محمد على ضرب رئيس المباحث له، ليرد الأخير: «إحنا كفار يا عم»، وبعدها أجبره على البصم على ورقة لم يقرأها، فرفض فكان رده: «اعمل اللى باقول لك عليه عشان ماقوملكش من على المكتب وأوريك وش تانى». أما الأستاذ أحمد عبدالمنعم، والد محمد، فلم يستطع الذهاب لابنه ليلة القبض عليه نظراً لظروفه الصحية، لكنه ذهب لنيابة عابدين فى اليوم التالى، يقول: «ابنى مش بتاع مظاهرات، وكان نازل يحجزلى عند الدكتور، لو ماخرجش أنا هاقع من طولى وأموت، لأن ابنى مظلوم»، هكذا فسر الموقف لوكيل النيابة، فطمأنه مؤكداً أن ابنه سيخرج معه اليوم. وعندما عاد محمد لقسم قصر النيل عاد معه والده، ووقّع على تعهد بعدم السماح لمحمد بالنزول لميدان التحرير مرة أخرى، كما أُفرج عن الفتاة التى أُلقى القبض عليها مع محمد، لكنها ما زالت على ذمة قضية. محمد لم تشغله المظاهرات والمليونيات أبداً، يقول: «همى كله مذاكرتى ومستقبلى، ومكبّر دماغى من المظاهرات»، أصبح شاهداً على ظلم الداخلية، وأكد أنها لم تتغير من عصر حسنى مبارك لعصر محمد مرسى، بل يرى أن ظلمها زاد. أخبار متعلقة: عصر اعتقال الأطفال «محمد» أصغر مسجونى معسكرات الأمن المركزى.. والتهمة «بيتفرج على المظاهرات» «محمد عايد» المحكمة تجدد حبسه 15 يوماً.. ومأمور «الخليفة» ينفى وجوده