فى حوار مع عدد من صناع القرار الغربيين فى ديسمبر الماضى بعد محاضرة مغلقة كنت قد دعيت لإلقائها على عدد من المهتمين بالشئون الدولية فى واشنطن، كان التركيز على ضعف وتفكك المعارضة المصرية يفوق التركيز على مؤسسة الرئاسة وتخبطها فى صناعة القرار وفشل الإخوان فى إدارة شئون مصر. فعلى الرغم من أن دلالات الحوار أثبتت أن أزمة الإخوان وفشلهم فى إدارة مصر باتت معروفة للجميع، فإن الشىء اللافت للنظر كان تجاوز هؤلاء قلقهم من فشل الإخوان، وكان التركيز فى غالبية الأسئلة على فشل المعارضة المصرية، وكان نقد المعارضة من خلال طريقة طرح الأسئلة شيئاً واضحاً، كشف عن رؤية مقلقة ولكنها واقعية لوضع المعارضة فى مصر، كما أنه أظهر عدم استعداد للمراهنة على معارضة مفككة. فقد تعود المجتمع الغربى على معارضة واضحة المعالم، لديها خطة واضحة وأهداف يمكن قياسها وتحديد مدى النجاح بناءً على عدد الخطط والمشاريع التى استطاعت المعارضة أن تطرحها على الشعب بشكل مقنع يؤدى إلى تبنى الشعب لهذه الخطط والمشاريع من خلال صندوق الانتخابات ويقوم على أساسها بانتخاب المعارضة إلى الحكم، أو على الأقل تجبر المعارضة من خلال مشاريعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحكومة الحالية على تبنى بعض من هذه المشاريع، وهو ما يعد انتصاراً يحسب ويترجم فى المستقبل القريب انتخابياً. أما ما يراه المجتمع الدولى فى المعارضة المصرية الآن، سواء كانت فى جبهة الإنقاذ أو غيرها، فهى معارضة غير ناضجة، لم تتطور كثيراً مع الوقت منذ عصر مبارك. فما زالت هذه المعارضة تجتمع لكتابة البيانات وتمضى كل وقتها فى مجادلات لا معنى لها تستمع لكل دعاة الزعامة، كلٌ يطلق آراءه التى لا تختلف كثيراً عن الآخر ولكن يجب أن يدلو بدلوه، وينتفض الحاضرون لصياغة بيان آخر مثل مئات البيانات السابقة، وتنفض الاجتماعات فى عجالة للحاق بوسائل الإعلام وكاميرات التليفزيون المنتظرة فى الخارج، ويتهافت بل أحياناً يدفع الزعماء بعضهم بعضاً للوقوف أمام الكاميرات ليعلنوا على الشعب بياناً آخر، وكأن هذا البيان المنتظر سوف يطعم الملايين ويحل أزمات البطالة والإسكان والمرور والتعليم والصحة، ولا تنقضى الليلة قبل أن يحل زعماء المعارضة المصرية ضيوفاً على القنوات الفضائية يتحدثون بضحالة عن الوضع السياسى ومواقفهم العنترية، غير مدركين على الإطلاق تآكل شعبيتهم المحلية وفقدان المصداقية الدولية. ولا عجب أن الشارع الثورى أصبح يسبق المعارضة فى صناعة القرار بأميال، بل وأصبح الشعب ينظر لنفسه وكأنه بلا قيادة حقيقية، تماماً مثل أوائل أيام الثورة. وقد لمست بنفسى هذا الإحساس خلال مسيرات الخامس والعشرين من يناير هذا العام. فلم أسمع فى حوارات التحرير ذلك اليوم من رجل الشارع البسيط إلا نقمة وسخطاً على المعارضة ومواقفها المتخبطة وعدم وجود رؤية واضحة يستشف من خلالها المواطن موقف المعارضة من قضاياه المصيرية. وقد همس فى أذنى أحد أهم صناع القرار الأمريكى ملخصاً مشكلة المعارضة المصرية فى كلمتين هما أن «مشكلة المعارضة المصرية أنها تعلم جيداً ما تعارضه (وهو حكم جماعة الإخوان) ولكنها لا تعلم شيئاً على الإطلاق عما تؤيده» وهى رؤية مشابهة تماماً لرؤية الشارع المصرى الآن الذى يقول بحسه البسيط إن هذه المعارضة لا تفعل شيئاً سوى الظهور الإعلامى. ما المطلوب من المعارضة إذاً؟ أولاً يجب تحديد موقف واضح من شرعية النظام؛ إما نريد إسقاطه، أو الانخراط فى حوار واضح معه والاعتراف بشرعيته. ثانياً وبعيداً عن موقف المعارضة السياسى، يجب أن نضع نحن المعارضين رؤية واضحة وحلولاً وخططاً ملموسة لمشاكل المواطن كبديل لحالة فوضى حكم الإخوان. فالشعب ينتظر خططاً لنشل الاقتصاد المصرى من الضياع، وبرامج للقضاء على البطالة والنهوض بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والاعتماد على الصناعة والزراعة معاً كمصدر للدخل، وخططاً خاصة لمعدومى الدخل وأصحاب المعاشات، ومشروعاً أمنياً بديلاً لداخلية مرسى القاتلة، وخطة عاجلة مع هذا المشروع لعودة السياحة حتى نحافظ على الجنيه المتدهور والذى يهدد بشلل كلى لمصر. هذه الخطط يجب أن تكون تفصيلية تطرح على الشعب بآليات تنفيذ وتمويل وتكون واقعية تتناسب مع عجز الموازنة المصرية. فى هذه الحالة فقط تكسب المعارضة احترام الشعب المصرى والمجتمع الدولى كمعارضة فى أكبر دولة محورية فى الشرق الأوسط.