حوار: صديق العيسوى – أحمد سعيد لعله كان الشخصية السياسية الأبرز الذى طاردته مليونيات التيارات الإسلامية بعد الثورة. بينما كانت المطالبة باستبعاده من المشهد السياسى المصرى، هدفًا أساسيًّا لا يقبل النقاش لقادة تلك التيارات. إنه الدكتور على السلمى، القيادى الوفدى البارز ونائب رئيس الوزراء للحوار المجتمعى فى حكومة الدكتور عصام شرف، فى حين كان صاحب الوثيقة الأشهر فى الفترة الانتقالية، والتى عُرفت باسم «وثيقة السلمى»، أو «وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور»، والتى واجهت معارضة شرسة من قِبل الإخوان والسلفيين، وأدخلته فى مواجهة صعبة معهم، انتهت بخروجه من الحكومة. المثير فى الأمر أن النقاط التى أثارت حفيظة الإخوان والسلفيين، من وثيقة السلمى، خصوصًا فى ما يتعلق بوضع الجيش وميزانيته، والتى تعرض الرجل بسببها لهجوم وتجريح كبيرين، نقلت بحذافيرها تقريبًا، وبمباركة من تيارات الإسلام السياسى، فى مسوَّدة الدستور المطروحة الآن، استعدادًا لإقرارها رسميًّا، وطرحها للاستفتاء الشعبى. فى حواره المهم مع «الدستور الأصلي»، يشخص الدكتور على السلمى، أمراض الحكم والقيادة فى مصر، فى زمن الإخوان.. فإلى نص الحوار: ■ فى البداية، ما تقييمك للمشهد السياسى الراهن فى مصر؟ - وصول أى حزب سياسى إلى السلطة عبر صناديق الانتخاب أمر مرحب به، فى ظل ديمقراطية نسعى إليها جميعًا، ونتمنى أن تتواصل مسيرتها على الوجه الصحيح. ووصول حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إلى السلطة وحصوله على أكثرية فى مجلسى الشعب والشورى فهذا مسلم به. لكن الأداء الذى مارسه «الحرية والعدالة» ومارسه الإخوان فى مجلس الشعب، وسيطرتهم على السلطة التشريعية انتهاءً بفوز أحدهم برئاسة مصر عن طريق الانتخاب الحر المباشر، كان أداءً دون الآمال والمستوى المأمول فى جماعة وحزب يدَّعيان أنهما منظمان، ولهما أرضية بالشارع، وقدرة على التعامل مع مشكلات المجتمع المصرى الذى عايشاه طوال 80 عامًا من العمل فوق الأرض وتحتها.
لا شك أن الأداء كان محبطًا. وهذا المشهد السياسى الآن يمثل قمة الإحباط للمجتمع المصرى والمواطنين المصريين الذين لم يجدوا ما وُعِدوا به من قِبل حزب الحرية والعدالة أو من مؤسسة الرئاسة التى وعدتهم بكثير من الوعود ثم أخلفتها إلى حد كبير، بالإضافة إلى الارتباك الذى يسود المشهد السياسى والعشوائية الممنهجة فى اتخاذ القرارات فى الآونة الأخيرة، سواء كان القرار حكوميًّا عن طريق حكومة الدكتور هشام قنديل الذى اختير بواسطة الرئيس، أو عن طريق مؤسسة الرئاسة. لذا أقول إن السمة الأساسية لعملية اتخاذ القرارات فى مصر هى سمة الارتباك وعدم التخطيط وعدم وجود رؤية مخططة فى محتوى معظم القرارات الصادرة من الحكومة والرئاسة معا.
■ فى بداية الفترة الانتقالية وفى أثناء توليك مسؤولية نائب رئيس مجلس الوزراء، اشتعلت أزمة ما سمى ب«وثيقة السلمى» أو وثيقة «المبادئ الحاكمة»، فما حقيقة هذا الملف الشائك؟ - باختصار شديد، وثيقة المبادئ الدستورية الحاكمة كانت مطلوبة لسد الفراغ الناشئ من خطأ استراتيجى وقع فيه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدعم الإخوان فى اختيار خارطة طريق خاطئة بدأت بالانتخابات التشريعية وأجلت وضع الدستور. وكان المفروض أن يوضع الدستور أولا وقبل كل شىء، طالما أن المجلس العسكرى كان قد أعلن فى بيانه فى 13 فبراير 2011 أنه قد عطل دستور 71. وبالتالى كان من اللازم إصدار دستور جديد، خصوصًا أن الموقف كان معدا ومهيأ لانطلاقة دستورية وديمقراطية كاملة. لكن لجنة تعديل الدستور «لا سامحها الله» أوجدت فى مصر موقفًا غريبًا للغاية. فقد كنا وصلنا إلى شهر أغسطس والانتخابات التشريعية كان مخططًا لها فى 30 سبتمبر وأجلت إلى 28 نوفمبر، والأمر كان يتطلب إيجاد وثيقة أشبه بدستور مؤقت، كى تنظم السلطات والعلاقة بين السلطات المختلفة، خصوصًا مع احتمال إنشاء مجلس شعب جديد منتخب.
تلك الوثيقة كانت تحدد الأسس والمبادئ الرئيسية فى الدستور الجديد، فكانت مقترحة فى شقين، الأول: مبادئ أساسية للدستور تتعلق بالحريات والحقوق الأساسية فى الدستور وفقًا لاتفاقيات حقوق الإنسان والعهود الدولية لحقوق الإنسان، والجزء الثانى من الوثيقة كان عبارة عن مجموعة معايير لاختيار اللجنة التأسيسية التى ستتولى إعداد دستور. وفى البداية وافق الإخوان والسلفيون على هذه الوثيقة، لأنها كانت نسخة من وثيقة التحالف الديمقراطى التى وافق عليها «الوفد» و«الحرية والعدالة» و«النور» وباقى الأحزاب الأخرى، وكانت وثيقة التحالف الديمقراطى من إعدادى، وكان ذلك معلَنًا وقتها، ثم تبنَّاها التحالف الديمقراطى. وعليه وبتكليف من المجلس الأعلى للقوات المسلحة تمت إعادة هذه الوثيقة إلى النور فى عهد حكومة الدكتور عصام شرف، حتى يتوافق الجميع على مجموعة المبادئ الأساسية التى يتضمنها الدستور الجديد ومعايير اختيار اللجنة التأسيسية، وهنا حدثت الطامة الكبرى وهاجم الإخوان والسلفيون الوثيقة.
■ ما تفسيرك لهجوم تيارات الإسلام السياسى على الوثيقة بعد موافقتها عليها قبل ذلك؟ - هاجم الإخوان والسلفيون الوثيقة، لأنهم أرادوا وتحقق لهم ما أرادوا.. الموقف الحالى فى مصر عبر عن أزمة الدستور بناء على رغبة الإخوان والسلفيين فى الانفراد بوضع الدستور. فكانت الرغبة الأساسية فى مقاومة الوثيقة، وبدا أنهم يرفضون أى حديث عن معايير اختيار اللجنة التأسيسية، ومن ثم عطلت هذه الوثيقة، حتى تم تشكيل مجلس الشعب وتلاه مجلس الشورى، ونفذ الجزء الخاص بالمادة 60 من الإعلان الدستورى فى 30 مارس، والذى قال: «الأعضاء المنتخبون فى مجلسى الشعب والشورى يجتمعون لاختيار 100 عضو»، وكان هذا هو الهدف، أن ينفرد ممثلو «الحرية والعدالة» و«النور»، وهم أصحاب الأغلبية فى المجلسين باختيار اللجنة التأسيسية، وهذا ما حدث. وكان ذلك محل طعون وأبطلت اللجنة بحكم قضائى، وعادوا إلى التشكيل الثانى بنفس المعايير الخاطئة ونفس العوار القضائى، وهو الموقف الذى حاولوا التخلص منه، من احتمال حكم قضائى ثانٍ يبطل اللجنة التأسيسية الثانية. لكن أقل ما يقال فى تلك المحاولة أنها غير ديمقراطية وغير قانونية وغير دستورية، إذ أصدر مجلس الشعب المنحل قانون 79 لسنة 2012، وتم التصديق عليه من رئيس الجمهورية المنتخَب بعد رفض «العسكرى» التصديق عليه باعتباره مجلسًا منحلا ولا يجوز له أن يُصدر قانونا. كما تم التصديق على القانون فى موعد تالٍ لتشكيل اللجنة التأسيسية، والمفارقة الأساسية فى نفس الوقت أن الهجمة الشديدة على الوثيقة من الإخوان وغيرهم تركزت حول المادتين «9 و10»، وهاتان المادتان ضمن مسوّدة الدستور الجديد الذى وافق عليه الإخوان والسلفيون كما وضعت المادة 195، دون إجراء أى تغيير عليهما، فالمادة «9»، التى خرجت المليونيات للاعتراض عليها تضمنت أن تدرج ميزانية القوات المسلحة كرقم واحد فى مجلس الشعب، والمادة «10» كانت تتحدث عن إنشاء مجلس للدفاع الوطنى يختص بأمور معينة، وهذا ما تم إدراجه فى المادة 195 فى دستور الإخوان الجديد، وهى خصوصية للقوات المسلحة، والتى تحدث عنها نائب المرشد خيرت الشاطر، وكذا حزب الحرية والعدالة بعد ذلك، حينما أقرّا أن القوات المسلحة المصرية لها خصوصية ووضع خاص.
■ ما رؤيتك للجنة التأسيسية الحالية بعد تشكيلها للمرة الثانية ومدى مشروعيتها؟ - اللجنة التأسيسية مطعون عليها لأمرين، الأول هناك 50 طعنًا على التشكيل فى محكمة القضاء الإدارى، وطعن آخر تطوعت به المحكمة ذاتها حول القانون الذى أنشئ فى غيبة مجلس الشعب، وتم تحويله إلى المحكمة الدستورية العليا، لكى تقضى فى أمر دستوريته من عدمه، والمعروف والمؤكد والمتيقَّن أن «الدستورية العليا» سوف تقضى بعدم دستورية هذا القانون، وهذا نتج عنه دستور مختلَف عليه، ومسودات مختلفة متناقضة ومضللة للدستور، وجميع أعضاء اللجنة الدستورية أنفسهم أقروا أنهم لم يقرؤوا ولم يشاهدوا بعض تلك المسودات.
■ هل يعنى ذلك أن هدف الإخوان الرئيسى كان تعطيل الدستور من أجل الانتخابات؟ - الغرض كان واضحًا وتأكدت الرغبة فى ذلك من أجل صياغة الدستور بما يتوافق مع رؤية إخوانية سلفية تحاول إقامة دولة دينية، حتى ولو كان الإخوان يتحدثون عن دولة مدنية.
■ ولماذا رضخ المجلس العسكرى لمثل تلك المحاولات؟ - المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حسب تعبير المسؤولين، لم يكن راغبا فى إحداث صدام مع القوى السياسية فى المجتمع والقوى الليبرالية كانت ضعيفة وغير موحّدة. أما القوى الأساسية فى ذلك الوقت، فكانت قوى وتيار الإسلام السياسى ممثلة فى «الحرية والعدالة» و«النور». وهذه كانت خطيئة المجلس العسكرى الكبرى، بتبنى وجهة نظر لجنة تعديل الدستور، بتعطيل الدستور وعدم البدء فيه، رغم أن حكومة الدكتور شرف ونائبه الدكتور يحيى الجمل والعديد من القوى السياسية كانت مصرة على البدء بعمل دستور. غير أن المجلس العسكرى كان عازفًا عن الدخول فى مصادمة، وكان يرغب فى إنهاء الفترة الانتقالية بسلام دون مشكلات مع قوى الأغلبية والتى حصلت على أكثرية، والتى كان صوتها أعلى.
■ هل ترى أن المجلس العسكرى نجح فى إدارة الفترة الانتقالية؟ - كان يمكن أن تكون هناك إدارة أفضل للمجلس فى المرحلة الانتقالية، بالرجوع إلى المعايير الصحيحة والقيادات الشعبية، وكانت القوى المدنية والليبرالية غائبة وغير قادرة على التجمع، وليست قادرة على إدارة طريقة التعامل مع قوى الإسلام السياسى، مما تسبب فى ضياع سنتين من عمر مصر، وضياع الثورة إلى حد كبير، فالثورة انتهت وأجهضت، وبكل المعايير لم يحقق «العسكرى» فى إدارته للفترة الانتقالية ما كان مأمولا.
■ فى رأيك لماذا فشلت حكومة الدكتور عصام شرف؟ - لأنها لم تمكّن من تحقيق الغاية وتحقيق التحول الديمقراطى والخروج من عنق الزجاجة، فى ظل تركز السلطة التشريعية والتنفيذية فى يد المجلس العسكرى. فكان يوافق على أمور، ولا يوافق على أخرى تقترحها الحكومة، وكانت هناك قوانين هامّة حبيسة الأدراج. حكومة شرف كانت الضحية لعدم رغبة المجلس العسكرى فى الخروج بخطة للتغيير والتحول الديمقراطى الشامل، وكانت رؤية المجلس العسكرى قاصرة على إدارة شؤون البلاد وتسييرها.
■ هل الاصطفاف المدنى الذى يلُوح فى الأفق الآن ممثَّلا فى التيار الشعبى المصرى وحزب الدستور، يمكنه مجابهة الإخوان وقوى التيار الإسلامى؟ - واقعيًّا لا.. لن يستطيعوا، ولا نريد الخوض فى الأحلام، وإذا لم يحصل التيار الإسلامى على الأغلبية فى الانتخابات المقبلة، فلن يكون بفضل قوة التيار المدنى، ولكن لضعفه هو -التيار الإسلامى-. فالتيار الشعبى يعتمد على شخص حمدين صباحى، والدستور يعتمد على شخصية الدكتور البرادعى، لكن لم أجد على الأرض وقائع أو مؤشرات تدل على أن هذه القوى، سواء كتيار أو حزب له إمكانية مؤسسية فى جمع الأعضاء حول قضايا متفق عليه. وأشك كثيرًا فى أن يكون باستطاعة تلك الأحزاب والقوى المدنية أن تُحدث تأثيرًا فى الموقف الانتخابى فى مواجهة الإخوان وتيار الإسلام السياسى، طالما «الأنا» عالية جدا لدى زعامات تلك الأحزاب والتيارات المدنية، بما فى ذلك حزب الوفد نفسه.
■ هل ترى أن النزعة الإخوانية لدى الرئيس غلبت فى اختياره أعضاء حكومة الدكتور هشام قنديل ومستشاريه، خصوصًا أن بعضهم من المنتمين إلى جماعة الإخوان؟ - الاختيارات التى ساقها الرئيس لتشكيل الحكومة وطاقم الهيئة الاستشارية، اعتمدت على مبدأ الولاء للإخوان باعتبار أنهم أولى بتلك الغنيمة بغض النظر عن الكفاءة. وهنا أستشهد بمثال ولا أقصد به المساس بشخص أو الإساءة إلى أحد، وهو اختيار الدكتور حسن البرنس نائبا لمحافظ الإسكندرية، رغم اعتراض أهالى المحافظة، حينما أشيع أنه سيتم اختياره، وهو غير مختص بذلك، نظرًا إلى كونه طبيبًا فى جامعة الإسكندرية، وليس أكفأ الأشخاص لتولى منصب يختص بالإسهام فى إدارة المحافظة الثانية فى مصر بكل المشكلات التى تحاصرها. ولكن الشىء الغريب هو أن تلك الاختيارات ينقصها تفسير وتبرير حول أسباب اختيار تلك الشخصيات وأسس ومعايير اختيارهم، فلا يوجد أمام الرأى العام والمجتمع أى توضيح لذلك حتى اللحظة الراهنة.
■ هل تعتقد أن مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين تدخّل فى اختيار الحكومة وطاقم المستشارين الخاص بالرئيس؟ - الإجابة المنطقية المتحفظة، أن اختيارات الحكومة والمستشارين، على الأقل تمت بوحى أو بموافقة أو بمباركة مكتب الإرشاد، ولهذا أتوقع أن مكتب الإرشاد يتدخل فى صنع القرار السياسى. ولا شك أن العلاقة الإخوانية الغزاوية الحماسية، شاهدة على أن جماعة الإخوان المسلمين، تتعاطف وتؤيد وتتعامل مع الحركة المشابهة لها فى غزة -الإخوان المسلمين فى غزة- وهم حماس، ويتجلى ذلك فى فتح الأبواب لاستقبال حماس واستقبال رئيس الوزراء المقال فى حكومة غزة بمعرفة قيادات الإخوان، وهذا دليل عملى على أن الإخوان المسلمين جماعة وليست حزبا، ولها قول مهم يُؤخذ به فى تسيير أمور الدولة.
■ وكيف تقيِّم أداء الرئيس فى ملف العلاقات الخارجية؟ - بالمنطق العلمى والإدارى الصحيح، نحكم على الأمور بنتائجها، فماذا حدث من نتائج عقب هذه الزيارات؟ فى اعتقادى أنه لم يكن هناك هدف لتلك الزيارات المحددة فى وقت قصير، إلا أن يخرج الرئيس المدنى المنتخَب على العالم الغربى من أجل أن يقول له أمرًا أساسيًّا هو أن الرئيس تغير وأتى عبر صناديق انتخابية.
والعالم الغربى يعلم أنه حدث تغيير فى نوعية الرئاسة المصرية، ولكن أوروبا لن تكتفى بهذا الإشعار، هم يريدون هناك أن يعرفوا ماذا بعد هذا التحول فى شخص الرئيس؟ وماذا عن التحول فى النظام الديمقراطى والتحول فى حقوق الإنسان؟ وماذا عن إدارة النظم الديمقراطية والملفات الحقيقية الأخرى؟ وماذا عن التحول فى الأساليب المعتادة بالقبض والاعتقال؟ وهكذا.
■ هل تتوقع أنه بإمكان الرئيس العبور بالدولة من عنق الزجاجة الذى وقعت فيه خلال الأشهر الماضية؟ - المؤشرات غير مطمئنة وغير مبشرة. حينما يعلن الرئيس عن فتح حساب لتلقى طلبات التبرعات لتطهير الفاسدين، فى حساب غير معلن عنه، وغير معلن عن طريقة إدارته أو وسيلة الإنفاق منه، مكتفيًّا بالإشارة إلى أن رقم الحساب هو «333 – 333»، فإن التساؤل المنطقى: مَن السلطة المختصة بقبول تلك الأموال أو التصرف فيها؟
المؤشرات غير مطمئنة بخصوص إمكانية خروج مصر من عنق الزجاجة، إلا إذا تغيرت تلك الحكومة وتغير الكثير من أساليب مناقشة الملفات الحيوية والتعامل مع القضايا، بحيث تخرج من إطار الجماعة وتوجهاتها. ■ كيف ترى التأمين المبالَغ فيه للرئيس بقوات أمن مركزى ومدرعات وأعداد كبيرة من أفراد الأمن حتى فى أثناء الصلاة؟ - مَن يَخَفْ من شعبه فلا يستحق شرف رئاسة مصر، فعمر بن الخطاب، رضى الله عنه، حينما سأل عنه رجل فارسى جاء ليقابله، أشار إله البعض بأنه ينام تحت ظل الشجرة، فقال «حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر». والرئيس الثورى المنتخب يعبر عن الشعب الحقيقى، وإن لم يعبر أو يتبع ما وصف به عمر بن الخطاب، فلا حاجة لنا به.
■ ما تقييمك لأداء حكومة الدكتور هشام قنديل منذ توليها المسؤولية؟ - حكومة الدكتور هشام قنديل صفر. فمنذ توليها لم تعلن خطتها أو برنامجها أو أى شىء. هى أشبه بحكومة تسيير أعمال، وكل وزير بها معنىٌّ بإدارة شؤون وزارته باعتبار أنه قائم على تسيير أعمالها. ولكن لم نرَ مشروعًا للحكومة، حتى حين أراد قنديل أن يتذكر القرى الأكثر فقرًا فى مصر، لجأ إلى برنامج جمال مبارك، واختار القريتين الأكثر فقرًا، وهما قرية «ننا» فى بنى سويف، وأخرى فى محافظة أسيوط، وهما القريتان اللتان اختارهما جمال مبارك لزيارتهما، وحينما أعلنت الحكومة ذلك على لسان قنديل، رغم أن بها وزير تخطيط واستثمار وصناعة وتجارة ووزراء المجموعة الاقتصادية، لم يجد قنديل مجالا للتردد فى تطبيق الخطة التى وضعتها فايزة أبو النجا فى عهد حكومة الجنزورى. فأداء هذه الحكومة صفر، فالحكومة أسعدها الحظ بأنه ليس هناك مجلس شعب يضايقها، ويطالب بسحب الثقة منها، كما أن لها ذراعًا قوية تسمى «الحرية والعدالة» وله برنامج معلن ورئيس منتخب. ورغم كل تلك المزايا لا تجد فيها (الحكومة) شخصًا قادرًا على تفعيل هذه البرامج، فهى حكومة محصلتها صفر على الشمال. ولا شك أن فشل حكومة قنديل هو فشل للرئيس مرسى، وكذلك فشل لحزب الحرية والعدالة، الذى بدأ يشهد نغمة تتصاعد داخله تطالب بإقالة هشام قنديل.
■ هل تعنى بكلامك أنك تطالب بإقالة الحكومة؟ - بلا شك أطالب بإقالة حكومة قنديل، لأن أى إنسان ينظر إلى أوضاع مصر، سيجد ما فيها من ارتباك وعدم قدرة على اتخاذ قرار واحد وسليم وعدم التعامل مع القضايا المحورية التى ضج الناس منها. وكل ما تفعله الحكومة مسكنات وحلول ورقية أو حلول عاجزة عن تنفيذها، ومن ثم فأى إنسان يرى ذلك سيطالب بإقالتها.
■ هل تتوقع أن تنقلب جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة على حكومة قنديل مثلما انقلبوا على حكومة الجنزورى؟ - «الحرية والعدالة» رحب بحكومة الجنزروى فى البداية ثم انقلب عليها وحاول سحب الثقة منها، وكذلك انقلب الإخوان على حكومة قنديل بدليل مطالبة «الحرية والعدالة» بإجراء حركة محافظين تشمل 17 محافظا.
■ ما تحفظاتك على حزب الوفد حاليًا؟ وكيف تقيم نمط أدائه طوال الفترة الماضية؟ - من غير الموضوعى أو المنطقى استثناء «الوفد» من تلك المعادلة التى تتعلق بتشرذم الأحزاب المدنية، نظرًا إلى كون «الوفد» الآن فى أضعف حالاته، وما حققه فى الانتخابات البرلمانية الماضية من نجاحات بعض الشىء كان من قبيل الصدفة، فقيادات «الوفد» ورئيسه أول من يعلم ويصارح نفسه والمجتمع بأن المرحلة الأولى للحزب فى انتخابات الشعب كانت كارثة، ولم يحقق «الوفد» فيها أى نتيجة، ف«الوفد» إذا استمر على ما هو عليه من ضعف الحضور بين أفراد الشعب وغياب قياداته الفاعلة على مستوى المحافظات، وإذا استمر على ما هو عليه من عدم وضوح الخط الاستراتيجى بما يعنى «هو مع مين وضد مين»، وبقيت الثوابت لم تفعَّل، فسيواجه مشكلة حقيقية.
«الوفد» مطلوب منه أن يحسن اختيار من يمثله فى المجالس المختلفة، وكذلك اختيار العناصر، التى تمثله فى كل المناسبات. وشخصيًّا لا أوافق على كثير من التوجهات التى دعا إليها «الوفد» فى المرحلة الأخيرة لتكوين تحالفات، وكنت من المعترضين على تحالف الأمة المصرية، لكون «الوفد» ظهر كأنه يتحالف مع نفسه مع عدد من الأحزاب الهلامية، ليس لها أساس قانونى تحت اسم «المؤتمر المصرى». هذا المؤتمر المصرى، تكوين هلامى لم يحصل على موافقة لجنة الأحزاب، ولم يجر انتخابات رئاسته، وليس له برنامج، وحين تحالف «الوفد» مع هذا التحالف الهلامى تبقى المحصلة أنه يتحالف مع نفسه، وكان من الأجدى أن يتحمل «الوفد» المسؤولية منفردة ويخوض الانتخابات، إذا لم يستطع تكوين تحالف مدنى. كما أن الخط الذى بدأ يظهر فى الأسابيع الأخيرة، يشير إلى أن «الوفد» يريد الدخول فى الانتخابات المقبلة مستقلا، ولكنه لا يستبعد فكرة إقامة تحالف سياسى مع أحزاب وقوى سياسية مدنية تحبذ الفكرة المدنية ولا تنصاع إلى فكرة خلط الدين بالسياسة.
■ هل تتوقع أن يكرر «الوفد» تجربته بالتحالف مع الإخوان فى الانتخابات المقبلة؟ - استحالة أن يتحالف «الوفد» مع الإخوان فى الانتخابات المقبلة، وإذا حدث مثل هذا الموقف مرة أخرى فسيكون سببًا فى انهيار «الوفد» كحزب مؤسسى مدنى ليبرالى، ولو تحالف «الوفد» مع «الحرية والعدالة» يصبح ذلك إنذارًا بانهيار حزب الوفد. فلم أكن بعيدًا عن هذا التحالف فى عام 2011، وكانت البدايات مبشرة وكان حزب الحرية والعدالة، يرغب فى إنشاء علاقات سوية مع الأحزاب الأخرى حتى الحزبين الناصرى والتجمع، انضما إلى التحالف الديمقراطى. وكانت فكرة التحالف الديمقراطى من أجل مصر، وحينما دخلت مرحلة محاولة إحداث تنسيق انتخابى، حدثت الخلافات والصورة غير المحببة للشكل الإخوانى، وهى التكالب والمغالبة لا المشاركة، فانسحب «الوفد» وأغلب الأحزاب. تلك التجربة يصعب تكرارها، إن لم يكن مستحيلا، ولا يتحمل إنسان مسؤولية اتخاذ قرار فى هذا الصدد. وإذا حدث فهذا يعد إنهاء لحزب الوفد، وكثير من القيادات لن ترضى بهذا التحالف إذا تم، وستهدد بالعودة إلى القواعد الأساسية.
■ وكيف ترى دعوة الدكتور سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة الجديد إلى «مبادرة لمّ الشمل»؟ - ليس لدىّ معلومات عن تفعيل هذه المبادرة، ولم أعلم عنها أى تفاصيل، وهل هناك أجندة واضحة لتلك المبادرة أم لا؟ وهل قواعدها تأتى على أساس قواعد اللعبة الديمقراطية، بحيث توجد القوى المدنية فى الساحة بجوار «الحرية والعدالة»؟ وقد تكون الدعوة جادة أو مخلصة، ولكن بالقطع غير عملية لافتقادها المعطيات اللازمة لإنجاحها.
■ هل تتوقع أن تصبح غزة عبئًا على الدولة المصرية فى الفترة المقبلة؟ - بلا شك، فغزة ستصبح عبئا على مصر، وأدلل على ذلك بكوننا لدينا قصورٌ فى إمدادات الغاز، وكذلك الكهرباء وتشرع الحكومة فى إغلاق المحلات وسياسة الإطفاء العمدى لمناطق معينة، فى حين نمد غزة بالكهرباء.
كل هذا واجب وطنى أو إنسانى على الدولة المصرية لمساعدة الإخوة فى غزة، ولكن يجب أن يأتى بعد الوفاء بمتطلبات الشعب المصرى، والمثل يقول «اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع». وأود أن أشير إلى أن مبارك كانت سياسته أسوأ، وكان يقطع إمدادات المياه أو النور عن غزة استجابة لضغوط أمريكية إسرائيلية، ولكن لم يكن قرارًا مصريًّا.
■ وهل تتفق مع خطط الحكومة فى ما يتعلق بقرض صندوق النقد الدولى؟ - صندوق النقد الدولى، لا يمنح ولا يعطى القروض لحكومة غير مستقرة. فالحكومة لا برنامج لها، وأول شرط ومقوّم من مقومات الحصول على القرض أن يكون للدولة المقترضة برنامج إصلاح اقتصادى، وهذا ليس موجودًا لدينا. فلم يُفعَّل قانون الحدين الأدنى والأقصى للأجور، على سبيل المثال، رغم أنه أجيز من حكومة عصام شرف وأعيدت إجازته من حكومة الدكتور كمال الجنزورى.
■ هل تعانى مصر حقًّا من أزمة اقتصادية حقيقية؟ - عجز الموازنة يصل إلى 175 مليار جنيه، وكذلك تآكَل الاحتياطى النقدى وتوقفت الاستثمارات الجديدة والحركة فى البورصة غير مُنتجة، بينما لا تفرض الحكومة الحالية ضرائب على المعاملات فى البورصة، رغم أن المواطن العادى يفرض عليه ضريبة، الموظف يفرض عليه ضريبة كسب العمل. الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ومن واقع المعايشة، تتجلى فى مستوى غير مقبول من البطالة والتكلفة الإنتاجية، وتآكُل الصادرات، والقدرة على إنتاج الطاقة متمثلة فى الوقود، وانهيار كفاءة استخدام الموارد الوطنية الجديدة، متمثلة فى سيناء وأراضى الوطن الجديد، والفساد الذى حل بمصر نتيجة مشروع توشكى والمليارات التى أنفقت فى هذا المشروع الوهمى، والمليارات التى أُنفقت على مشروعات طال عليها الزمن، دون أن تتصدى الحكومة الثورية لها، مثل فوسفات أبو طرطور. هناك كثير من القضايا تمثل حالة غير مسبوقة، فأصبحنا معتادين على الخارج فى كل الأشياء، ونستورد لحومًا مجمّدة يعفُّ أى إنسان عن أن يأكلها، ولحوما أسترالية أُجيز ذبحها للتناول والاستهلاك الآدمى، بغض النظر عن قرار نقابة البيطريين، حيث أقر رئيس الوزراء بذبحها.
■ بصفتك أكاديميًّا متخصصًا فى مجال الإدارة.. هل ترى أن قرارات الرئيس مرسى الأخيرة تتماهى مع فنون علم الإدارة الصحيح؟ - نحن نحكم على القرار بغض النظر عمّا تقول الكتب والعلم الإدارى الصحيح. لقد تعلمنا فى الإدارة أن نقيِّم القرارات بنتائجها ومدى تحقيق الأهداف التى كانت مرجوّة من جراء اتخاذها. بداية من قرار عودة مجلس الشعب المنحل، فقد كان قرارًا صادمًا ومتصادمًا من الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا واضطر الرئيس إلى سحب القرار بعد إصرار المحكمة الدستورية على موقفها بعدم مشروعية قرار الرئيس. أما بخصوص القرار الذى اتخذ بواسطة حزب الحرية والعدالة والالتجاء إلى محكمة النقض للخروج من مأزق حل مجلس الشعب فكان عبارة عن قمة الخطأ والجهل القانونى، لأن محكمة النقض غير مختصة بالنظر فى هذه الأمور، ولا تعقيب لها على أحكام المحكمة الدستورية العليا، لأن أحكام الدستورية العليا واجبة التنفيذ على كل مؤسسات الدولة، وهذا ما أقرته محكمة النقض فى ردها على «الحرية والعدالة».
■ وماذا عن قرار الرئيس بعزل النائب العام، والذى أثار ضجة كبيرة بعد رفض القرار وعدم تخلى المستشار عبد المجيد محمود عن منصبه؟ - قمة العشوائية فى قرارات الرئيس ظهرت خلال أزمة النائب العام وقرار عزله أو ما سمى بتعيينه فى السلك الدبلوماسى، وهذا كان خطأ منهجيًّا، لأن النائب العام وفقًا للقانون والدستور لا يُعزل، وكل ما يقال الآن عن تضمين الدستور الجديد مادة تجيز تحديد مدة النائب العام أملا فى انطباقها على النائب العام الحالى، كل تلك المحاولات هى محاولات هدم، لأن الأوضاع التى عُين فيها النائب العام تختلف عن الأوضاع الحالية، وحتى لو طُبِّق ذلك فى الدستور الجديد فإنه لا يطبق على النائب العام الحالى. ■ هل تم توريط الرئيس مرسى فى هذا القرار؟ - أربأ بالرئيس السياسى المنتخب ذى الأريحية السياسية والتاريخ السياسى، أن يقال عنه إنه وُرِّط فى قرار عن طريق مجموعة من مستشاريه، وكان نتيجة لهذا القرار وهذا الموقف أنِ الْتفَّ فيه القضاة والنيابة العامة والشعب والقوى المدنية كلها حول النائب العام، لا لشخصه وإنما للدفاع عن مبدأ السلطة القضائية وعدم تغول السلطة التنفيذية عليها، لذلك كان الموقف تعيسًا فى مجمله، سواء متخذ القرار أو من يدافع عن متخذ القرار وهو كان نائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكى، الذى كان رمز تيار الاستقلال ومعه وزير العدل أحمد مكى، ومجموعة المستشارين فؤاد جاد الله وسيف الدين عبد الفتاح وعصام العريان، لذلك كان الموقف كله يدعو إلى الرثاء، فالرئاسة مشغولة بقضايا هامشية ولا تلتفت إلى القضايا الحاسمة المحورية التى تواجه مصر فى سيناء.
■ كيف ترى الوضع فى سيناء حاليًا، وما يحدث فيها من انفلات أمنى واضح؟ - هناك خطر محدق بسيناء، سواء كان من العدو الصهيونى أو الجماعات التكفيرية المسمّاة بالجهادية، والخطر الأكبر هو إهمال التنمية فى سيناء، واضطرار أهل سيناء إلى اتخاذ موقف من هذه الدولة المصرية التى لا تعيرهم اهتمامًا ولا تعتبرهم مواطنين، فسيناء خطر داهم، ومهدَّدة بكل أشكال الخطر، ومهددة كذلك بالانفصال وبالتقسيم والاستيلاء على أراضٍ سيناوية من قِبل العدو الصهيونى أو جماعات أخرى. وكل المخاطر واردة، والأخطر هو التعامل مع هذه المخاطر على غير المأمول فيه من الحكومة والرئيس المنتخب لتحقيق أهداف الثورة، فالحفاظ على أمن سيناء غير وارد فى ذهن الكثيرين فى الحكم، ويُسأل فى هذا الانفلات مسؤولو الأمن فى سيناء، ويسأل فيها الرئيس مرسى الذى أعلن أنه يدير معركة سيناء بنفسه وقطع على نفسه وعدًا بالحفاظ عليها.
■ ما الرسالة التى توجهها إلى الرئيس محمد مرسى؟ - الرئيس مرسى مطالب لصالح مصر، بأن يتعامل مع الناس ويستمع إليهم كما كان يلتقى من الناس ويسمع منهم أشهرًا قليلة، بما يعنى أن يستمع ويستجيب، فأمن مصر والرئاسة مهددان، والعشوائيات يعيش فيها نحو 26 مليون مصرى، وثورة الجياع هى الخطر القادم، فهناك ثلاثة أخطار تهدد مصر، إذا اجتمعوا فى سلة واحدة، وهى الفقر والبطالة والعشوائيات. وهذه التركة لا يحلها شخص أو أى رئيس أو حزب حاكم أو قيادة منفصلة عن الشعب. فالثورات القادمة لن تنحصر فى مواجهة ساكنى المنتجعات والقصور، ولكنها ستشمل كل قضية، وسيذكّرنا ذلك بثورة الأمن المركزى أو 18 و19 يناير، والرئيس نفسه دعا الناس إلى ثورة على الفاسدين. إذا لم يحقق الرئيس -وجماعته- ما وعد به الشعب فى وثائق مطبوعة وكتابات وأحداث مصورة، يجب أن يتوقع ثورة شعبية لن تَرحم.
■ وبماذا تنصح جماعة الإخوان المسلمين؟ - أطالب هذا الفصيل الحاكم، ومن أجل مصر، بأن يحسنوا أداءهم، وأتمنى أن يتفوق الأداء الإخوانى والرئاسى، ولا أريد أن نتصيد أخطاءً لفصيل حاكم، ولكن نريد أن يسمع هذا الفصيل إلى كل الرؤى والمقترحات التى تساعده على الخروج من عنق الزجاجة.